أخبرني داود بن أبي عاصم، أن النبي (ص) قال ذات يوم: ليت شعري أين أبواي؟
فنزلت: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم.
والصواب عندي من القراءة في ذلك قراءة من قرأ بالرفع على الخبر لان الله جل ثناؤه قص قصص أقوام من اليهود والنصارى، وذكر ضلالتهم، وكفرهم بالله، وجرأتهم على أنبيائه، ثم قال لنبيه (ص): إنا أرسلناك يا محمد بشيرا من آمن بك واتبعك ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه، ونذيرا من كفر بك وخالفك، فبلغ رسالتي، فليس عليك من أعمال من كفر بك بعد إبلاغك إياه رسالتي تبعة، ولا أنت مسؤول عما فعل بعد ذلك. ولم يجر لمسألة رسول الله (ص) ربه عن أصحاب الجحيم ذكر، فيكون لقوله:
ولا تسأل عن أصحاب الجحيم وجه يوجه إليه.
وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره فيكون حينئذ مسلما للحجة الثابتة بذلك.
ولا خبر تقوم به الحجة على أن النبي (ص) نهي عن أن يسأل في هذه الآية عن أصحاب الجحيم، ولا دلالة تدل على أن ذلك كذلك في ظاهر التنزيل.
والواجب أن يكون تأويل ذلك الخبر على ما مضى ذكره قبل هذه الآية وعمن ذكر بعدها من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر، دون النهي عن المسألة عنهم.
فإن ظن ظان أن الخبر الذي روي عن محمد بن كعب صحيح، فإن في استحالة الشك من الرسول عليه السلام في أن أهل الشرك من أهل الجحيم، وأن أبويه كانا منهم، ما يدفع صحة ما قاله محمد بن كعب إن كان الخبر عنه صحيحا، مع أن ابتداء الخبر بعد قوله:
إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا بالواو بقوله: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم، وتركه وصل ذلك بأوله بالفاء، وأن يكون: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، ولا تسأل عن أصحاب الجحيم، أوضح الدلائل على أن الخبر بقوله: ولا تسأل، أولى من النهي، والرفع به أولى من الجزم.
وقد ذكر أنها في قراءة أبي: وما تسأل وفي قراءة ابن مسعود: ولن تسأل وكلتا هاتين القراءتين تشهد بالرفع والخبر فيه دون النهي.