وأما قوله: فإنما يقول له كن فيكون فإنه يعني بذلك: وإذا أحكم أمرا فحتمه، فإنما يقول لذلك الامر كن، فيكون ذلك الامر على ما أمره الله أن يكون وأراده.
فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون؟ وفي أي حال يقول للامر الذي يقضيه كن؟ أفي حال عدمه، وتلك حال لا يجوز فيها أمره، إذ كان محالا أن يأمر إلا المأمور، فإذا لم يكن المأمور استحال الامر كما محال الامر من غير آمر، فكذلك محال الامر من آمر إلا لمأمور. أم يقول له ذلك في حال وجوده، وتلك حال لا يجوز أمره فيها بالحدوث، لأنه حادث موجود، ولا يقال للموجود: كن موجودا إلا بغير معنى الامر بحدوث عينه؟ قيل: قد تنازع المتأولون في معنى ذلك ونحن مخبرون بما قالوا فيه، والعلل التي اعتل بها كل فريق منهم لقوله في ذلك:
قال بعضهم: ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن أمره المحتوم على وجه القضاء لمن قضى عليه قضاء من خلقه الموجودين أنه إذا أمره بأمر نفذ فيه قضاؤه، ومضى فيه أمره، نظير أمره من أمر من بني إسرائيل بأن يكونوا قردة خاسئين، وهم موجودون في حال أمره إياهم بذلك، وحتم قضائه عليهم بما قضى فيهم، وكالذي خسف به وبداره الأرض، وما أشبه ذلك من أمره وقضائه فيمن كان موجودا من خلقه في حال أمره المحتوم عليه. فوجه قائلو هذا القول قوله: وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون إلى الخصوص دون العموم.
وقال آخرون: بل الآية عام ظاهرها، فليس لأحد أن يحيلها إلى باطن بغير حجة يجب التسليم لها، وقال: إن الله عالم بكل ما هو كائن قبل كونه. فلما كان ذلك كذلك كانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة لعلمه بها قبل كونها، نظائر التي هي موجودة، فجاز أن يقول لها: كوني، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود، لتصور جميعها له، ولعلمه بها في حال العدم.
وقال آخرون: بل الآية وإن كان ظاهرها ظاهر عموم، فتأويلها الخصوص لان الامر غير جائز إلا لمأمور على ما وصفت قبل.
قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فالآية تأويلها: وإذا قضى أمرا من إحياء ميت، أو إماتة حي، ونحو ذلك، فإنما يقول لحي كن ميتا، أو لميت كن حيا، وما أشبه ذلك من الامر.
وقال آخرون: بل ذلك من الله عز وجل خبر عن جميع ما ينشئه ويكونه أنه إذا قضاه وخلقه وأنشأه كان ووجد. ولا قول هنالك عند قائلي هذه المقالة إلا وجود المخلوق،