قال أبو جعفر: وأولى التأويلين اللذين ذكرت بقول الله جل ثناؤه: وأشربوا في قلوبهم العجل تأويل من قال: وأشربوا في قلوبهم حب العجل لان الماء لا يقال منه:
أشرب فلان في قلبه، وإنما يقال ذلك في حب الشئ، فيقال منه: أشرب قلب فلان حب كذا، بمعنى سقي ذلك حتى غلب عليه وخالط قلبه كما قال زهير:
فصحوت عنها بعد حب داخل * والحب يشربه فؤادك داء قال: ولكنه ترك ذكر الحب اكتفاء بفهم السامع لمعنى الكلام، إذ كان معلوما أن العجل لا يشرب القلب، وأن الذي يشرب القلب منه حبه، كما قال جل ثناؤه: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها، وكما قال الشاعر:
ألا إنني سقيت أسود حالكا * ألا بجلي من الشراب ألا بجل يعني بذلك سما أسود، فاكتفى بذكر أسود عن ذكر السم لمعرفة السامع معنى ما أراد بقوله: سقيت أسود، ويروى:
ألا إنني سقيت أسود سالخا وقد تقول العرب: إذا سرك أن تنظر إلى السخاء فانظر إلى هرم أو إلى حاتم، فتجتزئ بذكر الاسم من ذكر فعله إذا كان معروفا بشجاعة أو سخاء أو ما أشبه ذلك من الصفات. ومنه قول الشاعر:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة * وإن جهادا طئ وقتالها