فتأويل الآية إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع، فيترك لها ما لزمها من حق. وقيل: إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه. كما:
حدثني عباس ابن أبي طالب، قال: حدثنا حجاج بن نصير، عن شعبة، عن العوام بن مزاحم رجل من قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان: أن رسول الله (ص) قال: إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة، كما قال الله عز وجل ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا الآية...
فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع محمد (ص) وما جاءهم به من عنده بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم، وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله.
وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة، فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وأنه قال:
ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لامتي، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا. فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد (ص) لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم، وأن قوله: ولا يقبل منها شفاعة إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل. وليس هذا من