بل الصواب في ذلك عندنا أن يسمى عربيا أعجميا أو حبشيا عربيا إذ كانت الأمتان له مستعملتين في بيانها ومنطقها وبيانها فليس غير ذلك من كلام كل أمة منهما بأولى أن يكون إليها منسوبا منه. فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها معناها، ووجد ذلك مستعملا في كل جنس منها استعمال سائر منطقهم، فسبيل إضافته إلى كل جنس منها سبيل ما وصفناه من الدرهم والدينار والدواة والقلم، التي اتفقت ألسن الفرس والعرب فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد في أنه مستحق إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس باجتماع وافتراق.
وذلك هو معنى من روينا عنه القول في الأحرف التي مضت في صدر هذا الباب من نسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الحبشة ونسبة بعضهم ذلك إلى لسان الفرس، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الروم، لان من نسب شيئا من ذلك إلى ما نسبه إليهم لم ينف بنسبته إياه ما نسبه إليه أن يكون عربيا، ولا من قال منهم هو عربي نفى ذلك أن يكون مستحقا النسبة إلى من هو من كلامه من سائر أجناس الأمم غيرها. وإنما يكون الاثبات دليلا على النفي فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني كقول القائل: فلان قائم فيكون بذلك من قوله دالا على أنه غير قاعد ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه لتنافيهما.
فأما ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى وذلك كقول القائل: فلان قائم مكلم فلانا، فليس في تثبيت القيام له ما دل على نفي كلام آخر لجواز اجتماع ذلك في حال واحد من شخص واحد فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به.
فكذلك ما قلنا - في الأحرف التي ذكرنا وما أشبهها - غير مستحيل أن يكون عربيا بعضها أعجميا وحبشيا بعضها عربيا إذ كان موجودا استعمال ذلك في كلتا الأمتين فناسب ما نسب من ذلك إلى إحدى الأمتين أو كلتيهما محق غير مبطل.
فإن ظن ذو غباء أن اجتماع ذلك في كلام مستحيل كما هو مستحيل في أنساب بني آدم فقد ظن جهلا وذلك أن أنساب بني آدم محصورة على أحد الطرفين دون الآخر، لقوله الله تعالى ذكره: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) (1) وليس ذلك كذلك في المنطق والبيان لان المنطق إنما هو منسوب إلى من كان به معروفا استعماله.
فلو عرف استعمال بعض الكلام في أجناس من الأمم - جنسين أو أكثر - بلفظ واحد،