خوطب أو أرسلت إليه لان ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث والله تعالى عن ذلك متعال لذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) (1) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (2).
فغير جائز أن يكون به مهتديا من كان بها يهدي إليه جاهلا. فقد تبين إذا بما عليه دللنا من الدلالة أن يكون رسول الله جل ثناؤه أرسله إلى قوم فإنما أرسله بلسان من أرسله إليه وكل كتاب أنزله على نبي ورسالة أرسلها إلى أمة فإنما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليه.
واتضح بما قلنا ووصفنا أن كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بلسان محمد (صلى الله عليه وسلم).
وإذ كان لسان محمد (صلى الله عليه وسلم) عربيا فبين أن القرآن عربي وبذلك أيضا نطق محكم تنزيل ربنا فقال جل ذكره: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) (3) وقال: (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) (4). وإذا كانت واضحة صحة ما قلنا بما عليه استشهدنا من الشواهد ودللنا عليه من الدلائل فالواجب أن تكون معاني كتاب الله المنزل على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) لمعاني كلام العرب موافقة وظاهره لظاهر كلامها ملائما وإن باينه كتاب الله بالفضيلة التي فضل بها سائر الكلام والبيان بما قد تقدم وصفنا. فإذا كان ذلك كذلك فبين - إذ كان موجودا في كلام العرب والايجاز والاختصار والاجتزاء بالاختفاء من الاظهار وبالقلة من الاكثار في بعض الأحوال واستعمال الإطالة والاكثار والترداد والتكرار وإظهار المعاني بالأسماء دون الكناية عنها والاسرار في بعض الأوقات والخبر عن الخاص في المراد بالعام الظاهر وعن العدم في المراد بالخاص الظاهر وعن الكناية والمراد منه المصرح وعن الصفة والمراد الموصوف وعن الموصوف والمراد الصفة وتقديم ما هو في المعنى مؤخر وتأخير ما هو في المعنى مقدم والاكتفاء ببعض من بعض وبما يظهر عما يحذف وإظهار ما حظه الحذف - أن يكون ما في كتاب الله المنزل على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) من ذلك في كل ذلك له نظيرا وله مثلا وشبيها ونحن مبينو جميع ذلك في أماكنه إن شاء الله