خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الختم والطبع على قلبه وسمعه بل أخبر أن لجميعهم منه عذابا عظيما على تركهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه مع حتمه القضاء عليهم مع ذلك بأنهم لا يؤمنون.
القول في تأويل قوله جل ثناؤه (وعلى أبصارهم غشاوة) وقوله وعلى أبصارهم غشاوة خبر مبتدأ بعد تمام الخبر عما ختم الله جل ثناؤه عيه من جوارح الكفار الذين مضت قصصهم وذلك أن غشاوة مرفوعة بقوله وعلى أبصارهم فذلك دليل على أنه خبر مبتدأ وأن قوله ختم الله على قلوبهم قد تناهى عند قوله وعلى سمعهم وذلك هو القراءة الصحيحة عندنا لمعنيين أحدهما اتفاق الحجة من القراء والعلماء على الشهادة بتصحيحها وانفراد المخالف لهم في ذلك وشذوذه عما هم على تخطئته مجمعون وكفى بإجماع الحجة على تخطئة قراءته شاهدا على خطئها والثاني أن الختم غير موصوفة به العيون في شئ من كتاب الله ولا في خبر عن رسول الله (ص) ولا موجود في لغة أحد من العرب وقد قال تبارك وتعالى في سورة أخرى وختم على سمعه وقلبه ثم قال وجعل على بصره غشاوة فلم يدخل البصر في معنى الختم وذلك هو المعروف في كلام العرب فلم يجز لنا ولا لاحد من الناس القراءة بنصب لغشاوة لما وصفت من العلتين اللتين ذكرت وإن كان لنصبها مخرج معروف في العربية وبما قلنا في ذلك من القول والتأويل روى الخبر عن ابن عباس.
255 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس: ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم.
فإن قال قائل: وما وجه مخرج النصب فيها؟ قيل له: إن نصبها بإضمار جعل كأنه قال: وجعل على أبصارهم غشاوة ثم أسقط جعل إذ كان في أول الكلام ما يدل عليه.
وقد يحتمل نصبها على إتباعها موضع السمع إذ كان موضعه نصبا، وإن لم يكن حسنا إعادة العامل فيه على غشاوة ولكن على اتباع الكلام بعضه بعضا، كما قال تعالى ذكره:
يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق ثم قال: وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين فخفض اللحم والحور على العطف به على الفاكهة اتباعا