على النقل والآثار، لا أننا إذا رأينا كلمة " يا بني آدم " مثلا عرفنا أن السورة مكية مباشرة.
ولعل هذا القائل تخيل أن قلة المسلمين في مكة لا تناسب توجيه الخطاب إليهم، بل المناسب الخطاب للأكثر. ولكن كثرتهم في المدينة أوجبت صحة توجيه الخطاب إليهم ب " يا أيها الذين آمنوا ".
ولكن هذا مجرد تخيل وحدس لا يوجب الاطمئنان، بل الاطمئنان حاصل بخلافه، وذلك لأن خطابات القرآن ليس على نحو القضية الخارجية، وإنما هي على نحو القضية الحقيقية التي لا يفرق فيها بين كثرة الموجودين وقلتهم، بل كل من دخل تحت عنوان الخطاب، ولو بعد سنين يكون مشمولا له.
نعم، ربما يقال: إن الخطاب المشتمل على بعض الأحكام - كالجهاد ونحوه - مما يحتاج إلى القدرة والتمكن المفقود عند مسلمي مكة لا يكون توجيهه إليهم مناسبا.
الثالثة: ما قيل من أن فيه أحكاما فرعية فهو مدني.
وهذه العلامة وإن كانت صادقة بنحو جزئي إلا أنها أيضا لا يمكن الاعتماد عليها لأنها أخص من المدعى، إذ أن ثبوت أن هذه الآية مدنية لا يلزمه ثبوت كون تلك مدنية.
هذا بالإضافة إلى أننا نجد في السور المكية أحكاما فرعية كالسور المدنية وإن كانت بالنسبة إليها قليلة.
ففي قوله تعالى * (وأن أقيموا الصلاة واتقوه) * (1).
وقوله سبحانه * (لا تقتلوا أولادكم من إملاق) * (2).
وقوله عز من قائل * (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * (3).
وقوله عز وجل * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * (4).