وما رواه سليم بن قيس عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): إن أمر النبي مثل القرآن، منه ناسخ ومنسوخ وخاص وعام (1).
وحيث إنه لابد من تأخر الناسخ عن المنسوخ فإن ذلك يتوقف إلى حد بعيد على بحثنا هذا، ومعرفة أن أي الآيتين مكية متقدمة والاخرى مدنية متأخرة لتكون هذه ناسخة لتلك، فيما لو لم يمكن الجمع بينهما.
الثانية: قد يحتاج ظهور الكلام - أي كلام - وضعا أو عرفا إلى معرفة القرائن المفهمة، كالعلم بمكان الصدور وزمانه، ومعرفة المخاطب - بالفتح - بهذا الكلام، والجو الذي ورد فيه. فإذا عرف كل ذلك ينعقد للكلام ظهور في المعنى المقصود منه.
ولعل القرآن الكريم لا يشذ عن هذه الضابطة، فكثيرا ما يكون العلم بكون الآية مكية أو مدنية، وبأنها نزلت قبل الهجرة أو بعدها، قرينة مبينة للمعنى المقصود، ويكون ذلك معينا للمفسر على فهم المراد من كلام الله تعالى.
ولعل ما قاله النيسابوري في كتابه " التنبيه على فضل علوم القرآن " ناظر إلى ما قلناه، قال (رحمه الله): أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة والمدينة - إلى أن قال: - فهذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها ولم يميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله (2).
الثالثة: معرفة تواريخ الوقائع والأحكام على وجه الإجمال، مما يفيد في معرفة صحة وفساد بعض المنقولات غير المسؤولة من بعض المؤرخين المأجورين أو المغفلين أو المتعصبين. فمعرفة المكي والمدني تدل على أن ما ذكر في المكي كان قد وقع قبل الهجرة، وما في المدني وقع بعدها.
الرابعة: قال الزرقاني: ومن فوائده أيضا الثقة بهذا القرآن وبوصوله إلينا سالما من التغيير والتحريف، ويدل على ذلك اهتمام المسلمين به كل هذا الاهتمام،