ولما يعلم الله تعالى في ذلك الوقت من مصلحتهم، فقال لهم: فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين. فلما شهد بالإغماء أمر بالرجوع عند ذلك إلى العدد، علمنا أن العدد هو الأصل الذي لا يعترضه الاغماء ولا اللبس، وأنه لو لم يكن أصلا لجاز الاغماء والأشكال عليه، ولكان اللبس والاختلاف يجوزان فيه. وهذا وجه صحيح يقنع العارف المنصف والحمد لله.
يقال له: هذا الذي ذكرته طعن على النبي صلى الله عليه وآله، وشهادة بأنه عول يأمنه 1 في عبادة الصوم على ما لا تأثير له ولا طائل فيه. لأن الرؤية إذا كان لا اعتبار بها في الصوم ولاحظ لها في الدلالة على دخول شهر رمضان وخروجه، فلا معنى لقوله (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وقد كان يجب أن يقول: صوموا بالعدد وأفطروا بالعدد.
ولا يجعل العدد مصارا عليه عند الغمة وامتناع الرؤية، وكيف يصح أن يقول قائل: علمنا أن العدد هو الأصل؟ وقد جعله النبي صلى الله عليه وآله في هذا الخبر فرعا، وأحال عليه عند تعذر الرؤية، وهو على الحقيقة فرع والأصل غيره. وهذا واضح.
قال صاحب الكتاب: وقد ظن قوم من أهل الخلاف أن ما تضمنه هذا الخبر من الرجوع إلى العدد عند وجود الالتباس يجري مجرى التيمم بالتراب عند عدم الماء بالاضطرار.
قالوا: فكما أنه ليس التيمم أصلا للوضوء، فكذلك ليس العدد أصلا للرؤية.
ثم قال: وهذا قياس بعيد، وجمع بين أشياء هي أولى بالتفريق، وذلك أن نية الوضوء والتيمم الذي هو بدل منه عند الضرورة عبادة يستباح بفعلهما أداء