قال (على كثير ممن خلقنا) علم أنه إنما أخرج الملائكة عمن فضل بني آدم عليه، لأنه لا خلاف في أن بني آدم أفضل من الجن، وإذا كان وضع الخطاب يقتضي مخلوقا لم يفضل بنو آدم عليه 1 فلا شبهة في أنهم الملائكة.
وتعلقوا بقوله تعالى: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك) 2 فلولا أن حال الملائكة أفضل من حال النبي لما قال ذلك.
فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: لم زعمتم أن قوله تعالى: (إلا أن تكونا ملكين) معناه أن تصيرا وتنقلبا 3 إلى صفة الملائكة، فإن هذه اللفظة ليست صريحة لما ذكرتم، بل أحسن الأحوال أن تكون محتملة له.
وما أنكرتم أن يكون المعنى أن المنهي عن تناول الشجرة غيركما وأن النهي يختص الملائكة والخالدين دونكما. ويجري ذلك مجرى قول أحدنا لغيره (ما نهيت أنت عن كذا إلا أن تكون فلانا) وإنما يعني أن المنهي هو فلان دونك، ولم يرد إلا أن تنقلب فتصير فلانا. ولما كان غرض إبليس القاء 4 الشبهة لهما فمن أوكد الشبه ليهاما 5 أنهما لم ينهيا وإنما المنهي غيرهما.
ومن وكيد ما يفسد به هذه الشبهة أن يقال: ما أنكرتم أن يكونا رغبا في أن ينقلبا إلى صفة الملائكة وخلقتهم 6 كما رغبهما إبليس في ذلك، ولا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما، لأن المنقلب 7 إلى خلقة غيره لا يجب أن