المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا قال وأحسن ما فسر به العادل الذي يتبع أمر الله بوضع كل شئ في موضعه من غير إفراط ولا تفريط وقدمه في الذكر لعموم النفع به (وشاب) خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى (نشأ) أي نما وتربى (بعبادة الله) أي لافى معصيته فجوزي بظل العرش لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه (ورجل كان قلبه معلقا بالمسجد) وفي رواية الشيخين ورجل قلبه معلق في المساجد وقال الحافظ ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشئ المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجا عنه ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية سليمان من حبها (إذا خرج منه) أي من المسجد (حتى يعود إليه) لأن المؤمن في المسجد كالسمك في الماء والمنافق في المسجد كالطير في القفص (ورجلان) مثلا (تحابا) بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الاخر حقيقة لا إظهارا فقط (في الله) أي لله أو في مرضاته (فاجتمعا على ذلك) أي على الحب في الله إن (اجتمعا وتفرقا) أي إن تفرقا يعني يحفظان الحب في الحضور والغيبة وقال الحافظ والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت (تنبيه) عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنيا عن عد الاخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها (ورجل ذكر الله) أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر (خاليا) أي من الناس أو من الرياء أو مما سوى الله (ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت (ورجل دعته) امرأة إلى الزنا بها (ذات حسب) قال ابن الملك الحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه وقيل الخصال الحميدة له ولابائه (فقال إني أخاف الله عز وجل) الظاهر أنه يقول ذلك بلسانه أما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قاله عياض قال القرطبي إنما يصدر ذلك عن شدة خوف
(٥٨)