قوله (المتحابون في جلالي) أي لأجل إجلالي وتعظيمي (يغبطهم النبيون والشهداء) قال القاري بكسر الموحدة من الغبطة بالكسر وهي تمني نعمة على ألا تتحول عن صاحبها بخلاف الحسد فإنه تمني زوالها عن صاحبها فالغبطة في الحقيقة عبارة عن حسن الحال كذا قيل وفي القاموس الغبطة حسن الحال والمسرة فمعناها الحقيقي مطابق للمعنى اللغوي فمعنى الحديث يستحسن أحوالهم الأنبياء والشهداء قال وبهذا يزول الإشكال الذي تحير فيه العلماء وقال القاضي كل ما يتحلى به الإنسان أو يتعاطاه من علم وعمل فإن له عند الله منزلة لا يشاركه فيه صاحبه ممن لم يتصف بذلك وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدرا وأعز ذخرا فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون له مثل ذلك مفهوما إلى ماله من المراتب الرفيعة أو المنازل الشريفة وذلك معنى قوله يغبطهم النبيون والشهداء فإن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامة والخاصة إلى غير ذلك من كليات أشغلتهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقها والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة وفازوا بالفوز الأكبر فلعلهم لن يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء فإذا رأوهم يوم القيامة في منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله ودوا لو كانوا ضامين خصالهم فيكونون جامعين بين الحسنتين وفائزين بالمرتبتين وقيل إنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على حال هؤلاء بل بيان فضلهم وعلو شأنهم وارتفاع مكانهم وتقريرها على آكد وجه وأبلغه والمعنى أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم قوله (وفي الباب عن أبي الدرداء وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي مالك الأشعري وأبي هريرة) أما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني بإسناد حسن وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني في الأوسط وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أحمد بإسناد صحيح وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم وقال صحيح الاسناد ذكر المنذري أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في ترغيبه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه مرفوعا أن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي وله أحاديث أخرى في هذا الباب
(٥٦)