العرب، لأنهم كانوا مطبوعين على الحفظ مخصوصين بذلك، والذين كرهوا الكتاب كابن عباس والشعبي وابن شهاب والنخعي وقتادة ومن ذهب مذهبهم وجبل جبلتهم كانوا قد طبعوا على الحفظ، فكان أحدهم يجتزي بالسمعة، وليس أحد اليوم على هذا، ولولا الكتاب لضاع كثير العلم، وقد أرخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب العلم ورخص فيه جماعة من العلماء... " (1).
قيل: إن ذوي العلم يعرفون أن الكتابة كانت قليلة في عرب الجاهلية ونشأة الإسلام، وأن من كان يكتب لم يكن يحسن الكتابة، بل كان يبذل وقتا طويلا في عدد من الأسطر ينكب عليها، فلا يفرغ منها إلا وقد أفرغ جهده معها، وإذا كان الأمر كذلك أيؤثر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثه على القرآن فيدع الصحابة يضيعون فراغهم به فيهملون تدوين كتاب الله؟ (2).
وقيل: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نهى عن كتابة الحديث، ولأجل ذلك لم يكتب الحديث في عصر الصحابة كما صرح به ابن حجر في مقدمة فتح الباري: 4 قال: " إن آثار النبي (صلى الله عليه وسلم) لم تكن في عصر الصحابة وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين: أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم، وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم لا يعرفون الكتابة " (3).
أقول: هذه علل ومعاذير ذكروها بعد مضى زمن طويل تبين فيه خطأ هذه الفكرة، واتضحت عواقبها السيئة لتوجيه عمل الخليفة.