في الجملة، فيضم إليها مقدمة كبرى هي: وكل من كان كذلك فهو قاصد إلى مسافة في الجملة وجب عليه التقصير وحقية المقدمتين الأولتين ظاهرة وهي مستلزمة بحقية صغرى هذا القياس، وأما حقية الكبرى فدليلها عموم النص.
ومنها: ظاهر قوله تعالى: " فإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا " (1 القصر: الضرب في الأرض، وقد ثبت تقييدها بكون المقصود مسافة بالنص والاجماع، ولم يعم دليل على تقييد الطريق بالاستقامة فيجب نفيه.
أما أولا، فللبراءة الأصلية.
وأما ثانيا، فلأن التقييد بالإطلاق على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع الدليل ومحل الوفاق، إذ لا يجوز تقييد المطلق وتخصيص العام إلا بدليل.
وأما ثالثا، فلأن التقييد يقتضي كون اللفظ في الآية جار على خلاف الظاهر فيقتصر فيه على محل الضرورة، لوجوب إجراء اللفظ على ظاهره ما أمكن، فيجب القصر في جميع صور الضرب في الأرض، إلا إذا قصر الطريق عن مسافة فيندرج فيه المتنازع.
ومنها: وهو أمر معنوي، وذلك أن مناط القصر السفر الذي هو مظنة المشقة المخصوصة، ولعدم انضباطها أناط الشارع الحكم بقدر ثمانية فراسخ، والمشقة غالبا لا يختلف في القدر المذكور باعتبار استقامته ودورانه، فلا معنى للفرق بين الأمرين في الحكم. وغير ذلك من الدلائل الكثيرة.
والتوفيق في هذه المسائل مع وضوح دليلها لا وجه له، وهي قريبة من مسألة بلد له طريقان أحدهما مسافة حاصلة في ذلك غالبا إنما يكون لاعوجاج في الطريق الطويل. والحاصل أن المفتي به هو وجوب القصر مع استجماع باقي الشرائط والجامع بين القصر والاتمام في ذلك ثوابه مأثوم.