فاستوفاه منى وتسلمت [منه] (1) الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوى إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها - عليه السلام - (2) من جيبها وهي تلثمه و تضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها.
فقلت تعجبا منها: أتلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني (3) سمعك وفرغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصى المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب، إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة [رجل] (4)، ومن ذوي الاخطار سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد [وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك] (5) العشائر أربعة آلاف، وأبرز هو من [بهو] (6) ملكه عرشا مصنوعا من أنواع الجواهر إلى صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي، فلصقت بالأرض، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد من العرش مغشيا عليه،