وجعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسك الله، وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك.
فقال له المأمون: يا ابن رسول الله لا بد لك من قبول هذا الامر، فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا، فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله، فقال له: إن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي، فقال الرضا عليه السلام: والله لقد حدثني أبي، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوما، تبكي علي ملائكة السماء والأرض، وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد، فبكى المأمون وقال له: يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حي؟ فقال الرضا عليه السلام: أما إني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت، فقال المأمون يا ابن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الامر عنك، ليقول الناس: إنك زاهد في الدنيا، فقال له الرضا عليه السلام: والله ما كذبت منذ خلقني الله عز وجل، وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإني لاعلم ما تريد، فقال المأمون: وما أريد؟ قال:
الأمان على الصدق، قال: لك الأمان قال: تريد ان يقول الناس: إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، أما ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟ قال: فغضب المأمون، ثم قال: انك تتلقاني أبدا بما أكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك.
فقال الرضا عليه السلام: قد نهاني الله أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك، وإنما أقبل ذلك على أن لا أولي أحدا، ولا أعزل أحدا، ولا أنقض رسما ولا سنة، وأكون في الامر من بعيد مشيرا، فرضي بذلك منه وجعله ولى عهده على كراهية منه عليه السلام لذلك.