واحتج بعضهم في إيجاب الخطبة بقول الله تعالى: (وإذ رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما).
قال أبو محمد: وهذا الاحتجاج لا منفعة لهم فيه في تصويب قولهم، وإنما فيه أنهم تركوه قائما، وهكذا نقول، وإنما هو رد على من قال: إنهم تركوه عليه السلام قاعدا، وهذا لا يقوله أحد، وليس في إنكار الله تعالى لتركهم لنبيه عليه السلام قائما -: إيجاب لفرض القيام في الخطبة، ولا لفرض الخطبة.
فإن كان ذلك عندهم كما يقولون فيلزمهم أن من خطب قاعدا فلا جمعة له ولا لهم، وهذا لا يقوله أحد منهم، فظهر أن احتجاجهم بالآية عليهم، وأنها مبطلة لأقوالهم في ذلك لو كانت على إيجاب القيام، وليس فيها أثر بوجه من الوجوه على إيجاب الخطبة، إنما فيها أن الخطبة تكون قياما فقط.
فان ادعوا اجماعا أكذبهم ما رويناه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري: من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال. وقد قاله أيضا ابن سيرين.
وقد أقدم بعضهم - بجاري عادتهم في الكذب على الله تعالى - فقال: إن قول الله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) إنما مراده إلى الخطبة، وجعل هذا حجة في إيجاب فرضها.
قال أبو محمد: ومن لهذا المقدم ان الله تعالى أراد بالذكر المذكور فيها الخطبة؟ بل أول الآية وآخرها يكذبان ظنه الفاسد، لان الله تعالى إنما قال: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) ثم قال عز وجل: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا) فصح ان الله إنما افترض السعي إلى الصلاة إذا نودي لها، وأمر إذا قضيت بالانتشار وذكره كثيرا، فصح يقينا ان الذكر المأمور بالسعي له هو الصلاة وذكر الله تعالى فيها بالتكبير، والتسبيح، والتمجيد، والقراءة، والتشهد لا غير ذلك.
ولو كان ما قاله هذا الجاهل لكان من لم يدرك الخطبة ولا شيئا منها وأدرك الصلاة غير مؤد لما افترض الله تعالى عليه من السعي، وهم لا يقولون: هذا، وقد قاله من هو خير منهم، فلا يكذبون ثانية في دعوى الاجماع مموهين على الضعفاء، وبالله تعالى التوفيق.
فان قالوا: لم يصلها عليه السلام قط إلا بخطبة.
قلنا: ولا صلاها عليه السلام قط إلا بخطبتين قائما يجلس بينهما، فاجعلوا كل ذلك فرضا لا تصح الجمعة إلا به، ولا صلى عليه السلام قط إلا رفع يديه في التكبيرة الأولى،