وابتغوا من فضل الله) ووقت النداء هو أول الزوال فحرم الله تعالى البيع إلى انقضاء الصلاة، وأباحه بعدها، فهو كما قال عز وجل، ولم يحرم تعالى نكاحا، ولا إجارة، ولا سلما، ولا ما ليس بيعا (وما كان ربك نسيا) و (تلك حدود الله فلا تعتدوها).
وكل ما ذكرنا فجائز أن يكون وهو ناهض إلى الصلاة غير متشاغل بها، فجاز كل ذلك، لأنه ليس مانعا من السعي إلى الصلاة، فظهر تناقض قول مالك وفساده.
فإن كان جعل علة كل ذلك التشاغل، سألنا هم عمن لم يتشاغل، بل باع، أو انكح أو اجر وهو ناهض إلى الجمعة، أو وهو في المسجد ينتظر الصلاة؟ فمن قولهم: يفسخ فبطل تعليلهم بالتشاغل، فإن لم يعللوا بالتشاغل فقد قاسوا على غير علة، وهو باطل عند من يقول: بالقياس، فكيف عند من لا يقول به.
فان قال: النكاح بيع قلنا: هذا باطل ما سماه الله تعالى قط بيعا ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ونسألهم عمن حلف ان لا يبيع فنكح أو اجر؟ فمن قولهم: لا يحنث.
واعتل أبو حنيفة والشافعي بأن النهى عن ذلك إنما هو للتشاغل عن الجمعة فقط.
قال أبو محمد: وهذه دعوى كاذبة، وقول على الله تعالى بغير علم، وهذا لا يحل لاحد ان يخبر عن مراد الله تعالى بغير ان يخبر بذلك الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أراد الله تعالى ذلك لبينه ولم يكلنا إلى خطأ رأى أبي حنيفة وظنه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن، فان الظن اكذب الحديث) وقال تعالى (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون).
فان قالوا: قد علمنا ذلك.
قلنا: ومن أين علمتموه؟ فان ادعيتم ضرورة كذبتم، لأننا غير مضطرين إلى علم ذلك، والطبيعة واحدة، وإن ادعوا دليلا سئلوه، ولا سبيل لهم إليه، فلم يبق إلا الظن.
وقالوا: نحن منهيون عن البيع في الصلاة، ولو باع امرؤ في صلاته نفذ البيع.
فقلنا لهم: إن البيع لا يجوز أن يكون في الصلاة أصلا، لأنه إذا وقع عمدا أبطلها، فليس حينئذ في صلاة، وإذا لم يكن في صلاة فبيعه جائز، وان ظن أنه ليس في صلاة فباع أو نكح، أو أنكح، أو عمل مالا يجوز في الصلاة فهو كله باطل، لان الحال التي هو فيها مانعة من ذلك، وهي حال ثابتة، فما ضادها فباطل، وكذلك من باع أو نكح أو طلق أو أعتق ولم يبق عليه من الوقت الا مقدار احرامه بالتكبير - وهو ذاكر لذلك - فهو كله باطل،