ومن طرائف الدنيا احتجاجهم في هذا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خمروا وجوههم، ولا تشبهوا باليهود).
وهذا باطل لوجوه:.
أولها أنه مرسل، ولا حجة في مرسل.
والثاني أنه ليس فيه نص ولا دليل - لو صح - على أنه في المحرم (1) أصلا، بل كأن يكون في سائر الموتى.
وثالثها أنه لا يجوز أن يقوله عليه السلام أصلا، لأنه عليه السلام لا يقول الا الحق واليهود لا تكشف وجوه موتاها، فصح أنه باطل، سمعه عطاء ممن لا خير فيه، أو ممن وهم.
والرابع انه لو صح مسندا في المحرمين لما كانت فيه حجة، لان خبر ابن عباس هو الآخر بلا شك، وممن المحال أن يقول عليه السلام في أمر أمر به انه تشبه باليهود، وجائز ان ينهى عن التشبه باليهود قبل أن ينزل عليه الوحي، ثم يأمر بمثل ذلك الفعل، لا تشبها بهم، كما قال عليه السلام في قول اليهودية في عذاب القبر، ثم أتاه الوحي بصحة عذاب القبر.
واحتج بعضهم في هذا بالخبر الثابت: (إذا مات الميت انقطع عمله الا من ثلاث:
صدقة جارية، وعلم علمه، وولد صالح يدعو له).
وهذا لا حجة لهم فيه أصلا، لأنه إنما فيه انه انقطع عمله وهكذا نقول، وليس فيه انه ينقطع عمل غيره فيه، بل غيره مأمور فيه بأعمال مفترضة، من غسل، وصلاة، ودفن وغير ذلك وهذا العمل ليس هو عمل المحرم الميت، إنما هو عمل الاحياء. فظهر تخليطهم وتمويههم.
واحتج بعضهم بقول الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى).
وهذه إحالة منهم للكلم عن مواضعه، ولم نقل قط: إن هذا من سعى الميت، لكنه من سعى الاحياء المأمور به في الميت كما أمرنا بأن لا نغسل الشهيد ولا نكفنه، أن ندفنه في ثيابه، وليس هو عمل الشهيد ولا سعيه، لكنه عملنا فيه وسعينا لأنفسنا الذي أمرنا به فيه ولا فرق.
والقوم متحكمون بالآراء الفاسدة والا مزيد إلا إن كانوا يحومون حول ان يعترضوا