فهذا لا يسع أحدا خلافه، لأنه كالشمس صحة، رواه شعبة، وسفيان، وأبو عوانة، ومنصور وحماد بن زيد، ورواه قبلهم أبو بشر، وعمرو بن دينار، والحكم، وأيوب، أئمة المسلمين كلهم، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه شهد القصة في حجة الوداع، آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحت ألفاظ هذا الخبر كلها، فلا يحل ترك شئ منها، وأمر عليه السلام بذلك في محرم سئل عنه، والمحرم يعم الرجل والمرأة، والبعث والتلبية يجمعهما، وبهما جاء الأثر، والسبب المنصوص عليه في الحكم (1).
فان قيل: إنكم تجيزون للمحرم الحي أن يغطى وجهه، وتمنعون ذلك الميت.
قلنا: نعم، للنصوص الواردة في ذلك، ولا يحل الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأمر المحرم الحي بكشف وجهه وامر بذلك في الميت، فوقفنا عند امره عليه السلام، (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحى يوحى).
وما ندري من أين وقع لهم ان لا يفرق الله تعالى بين حكم المحزم الحي والمحرم الميت؟
أم في أي سنة وجدوا ذلك أم في أي دليل عقل؟ ثم هم أول قائلين بهذا نفسه، فيفرقون بين حكم المحرم الحي والمحرم الميت بآرائهم الفاسدة، وينكرون ذلك على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم هذا: خصوص لذلك المحرم.
فقلنا: هذا الكذب منكم، لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أفتى بذلك في المحرم يموت إذ سئل عنه كما أفتى في المستحاضة، وكما أفتى أم سلمة في أن لا تحل ضفر رأسها في غسل الجنابة