وأنت خبير بأن شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء على الوجه الذي ذكرنا أما كون الغناء معينا على البكاء والتفجع فهو ممنوع بناء على ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوي، بل وعلى ظاهر تعريف المشهور من الترجيع المطرب لأن الطرب الحاصل منه إن كان سرورا فهو مناف للتفجع لا معين، وإن كان حزنا فهو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية لا على ما أصاب سادات الزمان من أنه على تقدير الإعانة، لا ينفع في جواز الشئ كونه مقدمة لمستحب أو مباح بل لا بد من ملاحظة عموم دليل الحرمة له، فإن كن فهو وإلا فيحكم بإباحته للأصل وعلى أي حال فلا يجوز التمسك للإباحة بكونه مقدمة لغير حرام لما عرفت.
ثم إنه يظهر من هذا ومما ذكر أخيرا من أن المرئي ليس فيها طرب أن نظره إلى المراثي المتعارفة لأهل الديانة التي لا يقصدونها إلا للتفجع وكأنه لم يحدث في عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو والمترفون من الرجال والنساء عن حضور مجالس اللهو وضرب العود والأوتار والتغني بالقصب والمزمار كما هو الشائع في زماننا الذي قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير كما أن زيارة سيدنا ومولانا أبي عبد الله عليه السلام صار سفرها من أسفار اللهو والنزهة لكثير من المترفين، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بنظيره في سفر الحج وأنه يحج أغنياء أمتي للنزهة والأوساط للتجارة والفقراء للسمعة، وكان كلامه صلى الله عليه وآله كالكتاب العزيز وارد في مورد وجار في نظيره والذي أظن أن ما ذكرنا في معنى الغناء المحرم من أنه الصوت اللهوي أن هؤلاء وغيرهم غير مخالفين فيه.
وأما ما لم يكن على جهة اللهو المناسب لسائر آلاته فلا دليل على تحريمه لو فرض شمول الغناء له لأن مطلقات الغناء منزلة على ما دل على إناطة الحكم فيه باللهو والباطل من الأخبار المتقدمة خصوصا من انصرافها في أنفسها كأخبار المغنية إلى هذا الفرد.