الثاني: ما ينجس بالمجاورة ولا يمكن غسله ولا يطهره الغسل بالماء وهو اللبن والخل والدبس ونحو ذلك، فلا ينتفع به ولا يجوز بيعه بحال.
والثالث: ما ينجس بالمجاورة وينتفع بمقاصده ويمكن غسله وتطهيره بالماء، وهو الثياب وما في معناها فهذا يجوز بيعه قبل تطهيره.
والرابع: ما اختلف في جواز غسله، وهو الزيت والشرج فعند أصحابنا بغير خلاف بينهم أنه لا يجوز غسله ولا يطهره الغسل بالماء، وكذلك البزر والأدهان أجمع فعندنا وإن لم يجز غسله فيجوز الانتفاع به في الاستصباح تحت السماء على ما قدمناه وشرحناه، ويجوز بيعه بهذا الشرط عندنا أيضا ولا يجوز الانتفاع به في غير الاستصباح.
إذا وجد المضطر آدميا ميتا حل له الأكل منه بمقدار ما يمسك رمقه كما لو كانت الميتة بهيمة للآيات وعمومها.
وفي الناس من قال: لا يجوز أكل لحم الآدمي بحال للمضطر لأنه يؤدى إلى أكل لحوم الأنبياء، وهذا ليس بصحيح لأن المنع من ذلك يؤدى إلى أن الأنبياء يقتلون أنفسهم بترك لحم الآدمي عند الضرورة، فكان من حفظ النبي في حال حياته أولى من الذي لم يحفظه بعد وفاته، بدليل أن من قتل نبيا حيا ليس كمن أتلف آدميا ميتا.
فإن لم يجد المضطر شيئا بحال، قال قوم: له أن يقطع من بدنه من المواضع اللحمية كالفخذ ونحوها فيأكله خوفا على نفسه، لأنه لا يمتنع إتلاف البعض لاستيفاء الكل كما لو كان به أكلة أو خبيثة يقطعها.
والصحيح عندنا أنه لا يفعل ذلك لأنه إنما يأكل خوفا على نفسه وفي القطع منه الخوف على نفسه فلا يزال الخوف بالخوف. ويفارق الخبيثة لأن في قطعها قطع السراية وليس كذلك قطع موضع من بدنه لأن في قطعه إحداث سراية.
فأما إن وجد المضطر بولا وخمرا فإنه يشرب البول ولا يجوز له أن يشرب الخمر لأن البول لا يسكر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا الخمر فقد قلنا ما عندنا في ذلك فلا وجه لإعادته.