فمهما ورد في الأحاديث في تحليل النبيذ فهو في الحال الأولى ومهما ورد من التحريم له فإنما هو في الحال الثانية التي يتغير فيها، ويحرم بما حله من الشدة والسكر والعكر وضراوة الآنية بالخمرة وغليانه وغير ذلك من أسباب تحريمه، ولا أختار أن ينبذ للشرب الحلال إلا في أسقية الأدم التي تملأ ثم توكأ رؤوسها فإنه قد قيل: أن الشدة حين يبتدأ بالنبيذ لسوء الأسقية وإنه إن لحقه منه شئ أخرجه إلى الحموضة، في الرواية عن النبي ع.
فأما الحنتم.
بالحاء غير المعجمة والنون والتاء المنقطة من فوقها بنقطتين، وهي الجرة الخضراء، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصحاح، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: الحنتم الجرة الصغيرة.
والدباء - بضم الدال وتشديد الباء - والنقير والمزفت، قال محمد بن إدريس رحمه الله: الزفت من الأرزن، هكذا ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان.
والقطران من الصنوبر هكذا ذكر، فقد روي: أن الرسول ع نهى أن ينبذ في هذه الأواني وقال: انبذوا في الأدم فإنه يوكأ ويعلق.
كل هذا المنهي عنه لأجل الظروف فإنها تكون في الأرض فتسرع الشدة إليها، ثم أباح هذا كله بما روي عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي ع قال: نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوا بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا.
فإن نبذ في شئ من تلك الظروف لا يشرب إلا ما وقع اليقين بأنه لم تحله شدة ظاهرة ولا خفية ولا يكون ذلك إلا بسرعة شرب ما ينبذ فيه.
فأما الدباء فإنه القرع، والنقير خشبة تنقر وتحوط كالبرنية، والمزفت ما قير بالزفت بكسر الزاء، قال الجاحظ في كتاب الحيوان: القطران من الصنوبر والزفت من الأرزن.
وقد قلنا: أن العصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل - وحد الغليان على ما روي الذي يحرم ذلك وهو أن يصير أسفله أعلاه - فإذا غلا حرم شربه وبيعه والتصرف فيه إلى أن يعود إلى كونه خلا، ولا بأس بإمساكه ولا يجب إراقته بل يجوز إمساكه إلى أن يعود خلا.