فصل:
أما قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، فقد كان سبب نزول هذه الآية أن اليهود أنكروا تحليل النبي ص لحوم الإبل، فبين الله أنها كانت محللة لإبراهيم وولده إلى أن حرمها إسرائيل على نفسه وهو يعقوب، نذر إن برأ من النساء أن يحرم أحب الطعام والشراب إليه وهي لحوم الإبل وألبانها، فلما برأ وفي بنذره فحاجهم النبي ع بالتوراة فلم يجسروا أن يحضروها لعلمهم بصدق محمد ع.
فإن قيل: كيف يجوز للإنسان أن يحرم شيئا وهو لا يعلم ما له فيه من المصلحة مما له فيه المفسدة؟
قلنا: يجوز ذلك إذا أذن الله في ذلك وأعلمه وكان الله أذن لإسرائيل في هذا النذر ولذلك نذر، فأما غير الأنبياء والأوصياء فلا يجوز لهم مثل ذلك.
باب الأشربة المباحة والمحظورة:
قال الله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير، قال أكثر المفسرين:
الخمر عصير العنب الني إذا اشتد، وقال جمهور أهل المدينة: كلما أسكر كثيره فهو خمر، وهو الظاهر في رواياتنا، واشتقاقه في اللغة من قولهم: خمرت الشئ أي سترته لأنها تغطي على العقل، وكل مسكر على اختلاف أنواعه حرام قليله وكثيره لاشتراكهما في المعنى أن يجري عليها أجمع جميع أحكام الخمر.
وقوله تعالى: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، فالمنافع التي في الخمر ما كانوا يأخذونه في أثمانها وربح تجارتها وما فيها من اللذة بتناولها، أي فلا يغتروا بالمنافع التي فيها فضررها أكبر منها.
قال الحسن وغيره: هذه الآية تدل على تحريم الخمر لأنه تعالى ذكر أن فيهما إثما وقد حرم الله الإثم في قوله: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم، على أنه تعالى قد وصفها بأن فيها إثما كبيرا، والإثم الكبير محرم بلا خلاف.