وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويكره الاستسلاف في العصير فإنه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه ويكون قد تغير إلى حال الخمر، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد وإن كان لو فعل ذلك لم يكن محظورا.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ما ذكره شيخنا رحمه الله فيه نظر لأن السلف لا يكون إلا في الذمة ولا يكون في العين، فإذا كان في الذمة فسواء تغير ما عنده إلى حال الخمر أو لم يتغير فإنه يلزمه تسليم ما له في ذمته إليه من أي موضع كان، فلا أرى للكراهية وجها وإنما هذا لفظ خبر واحد أورده إيرادا.
ولا بأس أن يبيع العنب والتمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو نبيذا، لأن الإثم على من يجعله كذلك وليس على البائع شئ، غير أن الأفضل أن يعدل عنه إلى غيره، وقد حررنا ذلك وشرحناه في كتاب البيوع فليلحظ من هناك فلا وجه لإعادته.
وقال شيخنا في نهايته: ولا يجوز أن يتداوى بشئ من الأدوية وفيها شئ من المسكر وله عنه مندوحة، فإن اضطر إلى ذلك جاز أن يتداوى به للعين ولا يجوز أن يشربه على حال إلا عند خوفه على نفسه من العطش على ما قدمناه.
وقد قلنا: أنه لا يجوز له التداوي به للعين ولا غيرها، وإنما هذا خبر واحد من شواذ أخبار الآحاد أورده إيرادا ورجع عنه في مسائل خلافه حتى أنه حرم شربها عند الضرورة للعطش وإليه أيضا ذهب في مبسوطه فإنه قال: إن وجد المضطر بولا وخمرا يشرب البول دون الخمر لأن البول لا يسكر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا الخمر فالمنصوص لأصحابنا أنه لا سبيل لأحد إلى شربها سواء كان مضطرا إلى الأكل أو الشرب أو التداوي، وبه قال جماعة وقال بعضهم: إن كانت الضرورة العطش حل له شربها ليدفع العطش عن نفسه، وقال بعضهم: يحل للمضطر إلى الطعام والشراب ويحل التداوي، ويجوز على ما روي في بعض أخبارنا عند الضرورة التداوي به للعين دون الشرب، هذا آخر كلامه في مبسوطه.
وذهب في نهايته: إلى جواز شربه خوف ضرر العطش، وهو الذي يقوى في نفسي واخترناه في كتابنا هذا ولا أدفع جوازه للمضطر إلى أكل ما يكون فيه الخمر خوفا من تلف نفسه لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأيضا فأدلة العقول تجوزه وتوجبه لأنه يدفع الضرر به