بحضوره ثم انفصلا فادعى بعد ذلك المشتري نقصانا، فالقول قول البائع مع يمينه بخلاف الأول. وقد روي: أنه إذا أخذه بقول البائع ثم أراد بيعه لم يبعه إلا بالكيل، ولو قلنا: إنه إذا أخبر بما أخبر به البائع الأول لم يكن به بأس وجاز البيع، ويكون القول قول المشتري في ذلك مثل المسألة الأولى لأن الغرر والجهالة قد زالت بإخباره عن خبر البائع بكيله أو بوزنه.
وكل ما يكال أو يوزن فلا يجوز بيعه جزافا وكذلك ما يباع عددا فلا يجوز بيعه جزافا، وإذا اشترى الانسان شيئا بالكيل والوزن وغيره فزاد أو نقص منه شئ يسير لا يكون مثله غلطا ولا تعديا لم يكن به بأس، فإن زاد ذلك أو نقص شيئا كثيرا ولا يكون مثله إلا غلطا أو تعمدا أو تعديا وجب عليه رده على صاحبه ما زاد، وكان فيما نقص بالخيار في محاكمة خصمه إن شاء طالبه وإن شاء ترك محاكمته.
ومن أسلم في متاع موصوف ثم أخذ دون ما وصف برضا منه كان ذلك جائزا، وكذلك إن أعطى فوق ما وصف برضا من الذي باعه لم يكن به بأس، فإن طلب البائع على الجودة عوضا لا يجوز له أخذه لأن الجودة صفة لا يجوز إفرادها بالبيع.
ولا بأس بالسلف في الصوف والشعر والوبر إذا ذكر الوزن فيه والجودة والصفات التي يمتاز بها من غيره.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن أسلف في الغنم وشرط معه أصواف نعجات بعينها كائنا ما كان لم يكن به بأس.
قال محمد بن إدريس: إن جعل في جملة السلف أصواف النعجات المعينة فلا يجوز السلف في المعين على ما مضى شرحنا له، وبيع الصوف على ظهر الغنم أيضا لا يجوز سواء كان سلفا أو بيوع الأعيان، وإنما هي رواية أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.
ولا يجوز أن يسلف السمسم بالشيرج ولا حب الكتان بدهنه، وقال شيخنا في نهايته: ولا الكتان بالبزر، ومقصوده بذلك ما ذكرناه لأنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وذلك كثير في كلام العرب، وإلا إن أراد الكتان الذي هو الشعر الذي يغزل فلا بأس بأن يسلفه بالبزر بغير خلاف.