هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه أصول المذهب أن المشتري إذا تصرف في المبيع فإنه لا يجوز له رده بعد ذلك وله الأرش، ولا خلاف أن التدبير والهبة تصرف. وقوله رحمه الله: إن التدبير والهبة له أن يرجع فيهما، ليس كل تدبير ولا كل هبة له الرجوع فيهما بل التدبير على ضربين: تدبير عن نذر فلا يجوز له الرجوع فيه على حال، وهبة لولده الأصغر أو لولده الأكبر بعد قبضه إياها أو هبة الأجنبي بعد القبض والتصرف فيها أو التعويض عنها فلا يجوز الرجوع فيها على حال بغير خلاف. فإطلاق قوله رحمه الله ما يستقيم له، وأيضا فالراهن لا يجوز له تدبير عبده المرهون، لأنه ممنوع من التصرف في الرهن وكان يلزم على ما اعتل به شيخنا أبو جعفر:
من أن للمدبر أن يرجع في التدبير وللواهب أن يرجع في الهبة، أن المشتري إذا باع الجارية وجعل لنفسه الخيار شهرا مثلا أو أكثر من ذلك وقبضها المشتري وتسلمها وصارت عنده أن يردها البائع الثاني على البائع الأول، لأن له أن يرجع في هذا البيع على قود الاعتلال الذي اعتل به شيخنا. وهذا لا يقوله أحد منا بغير خلاف ولا يتجاسر عليه أحد من الأمة. وأيضا فلم يرد بذلك نص عن الأئمة ع لا متواترا ولا آحادا، فبأي شئ يتمسك في ذلك؟ وكتابه تهذيب الأحكام ما أودعه شيئا من ذلك ولا أورد فيه خبرا بذلك وليس له أكبر منه في الأخبار وإنما حكاه على ما وجده في المقنعة.
وترد الشاة المصراة وهي التي جمع بائعها في ضرعها اللبن يومين وأكثر من ذلك ولم يحلبها ليدلسها به على المشتري فيظن إذا رأى ضرعها وحلب لبنها أنه لبن يومها كعادة لها وكذلك حكم البقرة والناقة، ولا تصرية عندنا في ذلك فإذا أراد ردها رد اللبن الذي احتلبه إن كان موجودا، وإن كان هالكا معدوما رد مثله لأن اللبن له مثل ويضمن بالمثلية فإن أعوز المثل رد قيمة ما احتلب من لبنها بعد اسقاط ما أنفق عليها إلى أن عرف حالها.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: عوض اللبن الذي يحلبه من المصراة إذا أراد ردها صاع من تمر أو صاع من بر وإن أتى على قيمة الشاة، واستدل على ذلك بإجماع الفرقة وأخبارهم.
قال محمد بن إدريس: والأول هو الصحيح وإليه يذهب رحمه الله في نهايته، وهو أيضا قول شيخنا المفيد في مقنعته وأصول المذهب دالة عليه، فأما ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه من دليله