منه أن الملاك كون السفر بما هو سفر عملا لهم، وهو عبارة أخرى عن تكرر وقوعه منهم ومزاولتهم معه؛ لا كون الحرف الخاصة المذكورة من المكاراة ونحوها عملا.
ولو سلم رجوع الضمير إلى كل واحد من مبادئ العناوين المذكورة كالمكاراة والملاحية ونحوهما أو إلى مجموع المكاراة وسائر المبادئ لكان المنظور أيضا هذه المبادئ بما هي مشتملة على السفر لا بما هي هي. إذ بمناسبة الحكم والموضوع يعلم أن كون المكاراة مثلا بما هي هي عملا لا يقتضي الإتمام، بل إنما يقتضي ذلك بجهة اشتمالها على السفر وكون السفر متكررا من المكاري بحيث لا يوجب له الشدة التي يوجبها سائر الأسفار.
فيرجع الأمر بالأخرة إلى أن الملاك في وجوب الإتمام وعدم ثبوت القصر له هو عملية السفر وتكرره وكثرته بحيث يقل حضره في جنب سفره، فإن العرف يطلق على من كان مزاولا لأمر أن هذا الأمر صار عملا له.
فبهذا البيان يمكن تصحيح ما عنونه المشهور وذكروه في مقام بيان هذا الشرط من عدم كون السفر أكثر من الحضر.
وبالجملة قد ذكر المشهور هذا العنوان حتى في كتبهم المعدة لنقل خصوص المسائل المتلقاة عن الأئمة (عليهم السلام)، وليس منه في الأخبار السابقة عين ولا أثر، ولكن يمكن أن يقال باستفادته من التعليل الوارد في روايتي زرارة وابن أبي عمير، بعد إلقاء الخصوصيات التي يمكن ادعاء القطع بعدم دخالتها في الموضوع، حيث إن العرف يفهم بمناسبة الحكم والموضوع أن إيجاب الإتمام في المذكورين إنما نشأ من تكرر السفر عنهم وكثرته وصيرورته أمرا عاديا لهم بحيث لا يوجب لهم المشقة الموجودة في سائر الأسفار الموجبة للقصر والترخيص، من دون أن يكون لخصوصية الحرفة والشغل دخل في ذلك. وسيأتي لذلك مزيد توضيح في بعض الفروع الآتية أيضا، فانتظر.