[ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا - يعني سائر الشافعية - عن العتبي مستحسنين له قال:
كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال:
السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله ترابا رحيما) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي...] ا ه كلام النووي.
فانظر رحمك الله تعالى وهداك كيف استحسن العلماء ومنهم الإمام النووي هذه الصيغة في نداء النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب العفو وأن يستغفر الله له، ونحن لا نفعل إلا ذلك ولا نستحب إلا هذا، ولا نزيد على ما ورد في الأحاديث المتقدمة أو ما جاء عن العلماء الكبار في العلم!! ولا نعتقد في المخلوقين أنهم يرزقون بذاتهم أو يحيون ويميتون، فالله تعالى بين لنا في كتابه أن إسناد الفعل لغيره على طريق المجاز ليس شركا ولكن ماذا نصنع بمن لا يدرك المجاز وينكره أشد الإنكار، قال تعالى في شأن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام:
(وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وتدخرون في بيوتكم) آل عمران: 49.
فلو قال شخص إن سيدنا عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، لم يكن كافرا، مع أن الله تعالى هو محيي الموتى حقيقة وهو الذي يبرئ الأكمه والأبرص، وكلنا يعتقد أن التأثير لله لا لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، وكذلك إذا استغاث رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم راجيا أن يدعو الله له في تفريج مصيبته أو كربه معتقدا أنه حي في قبره يبلغه سلام أمته أينما كانوا وتعرض عليه أعمالهم، لم يكن ذلك شركا عند من تجرد من العصبية واتقى الله تعالى،