الحديث والكلام عليه، وظاهر هذه الآية ينافي ظاهر ذلك الحديث ولا تلتئم ألفاظه مع لفظ الآية، وقد رام الجمع بين الآية والحديث جماعة بما هو متكلف في التأويل، وأحسن ما تكلم به على هذه الآية ما فسره به الزمحشري: قال هي من باب التمثيل والتخييل ومعنى ذلك أنه تعالى نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه سبحانه (أشهدهم على أنفسهم) وقررهم وقال (ألست بربكم) وكأنهم (قالوا بلى) أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا لوحدانيتك وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وفي كلام العرب، ونظيره قول الله عز وجل (إنما قولنا لشئ إذا أردنا أن نقول له كن فيكون). (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين). وقول الشاعر:
إذا قالت الأنساع للبطن الحقي * تقول له ريح الصبا قرقار ومعلوم أنه لا قول ثم وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى، وأن تقولوا مفعول له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها كراهة أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين لم ننبه عليه، أو كراهة أن تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عنه والاقبال على التقليد والاقتداء بالآباء كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم، (فإن قلت): بنو آدم وذريتهم من هم، قلت: عنى ببني آدم أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله تعالى حيث قالوا: (عزير ابن الله) وبذر يتهم الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلافهم المقتدين بآبائهم، والدليل على أنها في المشركين وأولادهم قوله تعالى (أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل) والدليل على أنها في اليهود الآيات التي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها وذلك على قوله (واسألهم عن القرية) و (إذ قالت أمة منهم) (وإذ تأذن ربك) (وإذ نتقنا الجبل فوقهم) (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا) انتهى كلام الزمخشري وهو بسط كلام من تقدمه].