والأحاديث الصحيحة التي يوهم ظاهرها أو يفيد أن النعيم والعذاب يقع في نفس القبر فهي آحاد لا تعارض القطعيات ثم هي مؤولة ولا نحتاج لإطالة الكلام فيه هنا.
ثم إن من حكمة الله تعالى ومشيئته في أمور خلقه التي أرادها أن لا يترك الإنسان وحده لا أثناء حمله ولا عند ولادته ولا في حياته ولا في مماته ولا في محشره ولا في الجنة ولا في النار، لأنه هو الواحد الأحد الذي شاء أن يجعل خلقه أزواجا.
فالانسان في بطن أمه يكون مع أمه قريبا جدا منها وحوله أهله ثم يولد فيكون الناس حوله وهكذا يعيش طيلة حياته ثم يموت فيستقبله في عالم البرزخ أهله الذين ماتوا قبله أو الصالحون من عباد الله تعالى والدليل عليه قوله تعالى (يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ثم يكون في المحشر مع الناس وكذلك في الجنة والنار كما هو معلوم، فإياك أن تظنن بأن الله تعالى سيتركك وحدك البتة لا سيما أن الشارع قد نهى عن الوحدة كما جاء في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سرى منهم راكب بليل " وأمر بالجماعة ورغب فيها ونهى عن الشذوذ وحذر منه، فهذا بيان ذلك وليس بعد هذا بيان.
وقد أدى هذا التصور المخطئ عن الموت وكذلك الرعب الناشئ عنه أن تموت روح الجهاد وحب الموت عند المسلمين في هذه الأعصار، خلافا لحال الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين كانوا يحبون الموت أكثر من الحياة، فهذا خالد بن الوليد يقول في بعض رسائله لأحد زعماء الكفر: " لقد أتيتك بأناس يحبون الموت كما أنتم تحبون الحياة " وفي صحيح مسلم (3 / 1510) أن الصحابي عمير بن الحمام الأنصاري أخرج تمرات يأكلهن في المعركة ثم قال: " لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة. قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل ".