سمعوا أكاذيب يلفقونها ثم يلقونها إلى الكهنة، وقد دونوها في كتب يقرؤونها ويعلمونها الناس، وفشا ذلك في زمن سيدنا سليمان عليه السلام، حتى قالوا:
إن الجن تعلم الغيب، وكانوا يقولون هذا - السحر الذي يتعلمونه هو - علم سليمان، وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم، فاتبعوا كتب السحر ورفضوا كتب الأنبياء) (188) فرد الله عليهم قولهم هذا فقال * (وما كفر سليمان) * لأنه لم يكن يعلم السحر فبرأه الله تعالى مما رموه به * (ولكن الشياطين) * هم الذين * (كفروا) * حيث يعلمون الناس السحر ليعملوا به. ويقصدون بذلك إضلال الناس وإغوائهم * (و) * من السحر الذي يعلمه الشياطين للناس * (ما) * أي السحر الذي * (أنزل إلى الملكين) * أي أرسلا ليعرفا الناس بحقيقته ويجعلان الناس يميزون بينه وبين السحر في بلدة * (بابل) * التي بالعراق، لأن هذه البلدة هي ومصر كان أهلهما من أكثر الناس استعمالا للسحر وأكثرهم عملا به وترويجا له، فبعث الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام إلى مصر فأبطل سحرهم بعصاه، وبعث في قرية بابل * (هاروت وماروت) * ليعلموا ويعرفوا الناس بحقيقة السحر والفرق بينه وبين معجزات الأنبياء * (وما) * كانا * (يعلمان من أحد) * في ذلك الزمان * (حتى) * ينصحاه قبل تعليمهما له و * (يقولا له إنما نحن فتنة) * أي أرسلنا الله تعالى ابتلاء واختبارا وامتحانا للعباد فإياك أن تعمل بذلك السحر الذي نعرفك حقيقته بعد أن تعلمه * (فلا تكفر) * لأن السحر مبني أكثره على الكفر ولا يتم إلا به، * (و) * كان الناس إذ ذاك في بابل * (يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) * لأن الله تعالى أراد أن يجعل للعباد اختبارا وامتحانا كما أنه جعل هذه الدنيا بأسرها