ثم قد أخبر أنه نفخ فيه من روحه (161)، ولم يرد إلا الوضع بالفعل والتكوين، والمعنى: نفخت أنا، ويكفي شرف الإضافة، إذ لا يليق بالخالق جل جلاله سوى ذلك لأنه لا يحتاج أن يفعل بواسطة، إذ ليس له أعضاء وجوارح يفعل بها، لأنه الغني بذاته، فلا ينبغي أن يتشاغل بطلب تعظيم آدم مع الغفلة عما يستحقه الباري سبحانه من التعظيم (والتنزيه) بنفي الابعاض والآلات في الأفعال، لأن هذه الأشياء صفة الأجسام، وقد ظن بعض البله أن الله يمس، حتى توهموا أنه مس طينة آدم بيد هي بعض ذاته، وما فطنوا أنه من جملة مخلوقاته جسما يقابل جسما فيتحد به ويفعل فيه، ومن السحر من يعقد عقدا فيتغير به الشئ حالا وصفة!! أفتراه سبحانه جعل أفعال الأشخاص والأجسام تتعدى إلى الأجسام البعيدة، ثم يحتاج هو في أفعاله إلى معاناة الطين. وقد رد قول من قال هذا بقوله تعالى: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) * آل عمران: 58]. انتهى كلام الإمام الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى.
أقول: وقولهم (إن قول الله سبحانه * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * فيه إثبات يدين والقدرة لا تثنى!!) كلام فاسد وقول باطل لغة وشرعا، أما لغة: فتقدم كلام الإمام ابن الجوزي فيه وأما شرعا فقد جاء في صحيح مسلم (4 / 2253) قوله ص في يأجوج ومأجوج: (لا يدان لأحد بقتالهم) أي: لا قدرة ولا طاقة، كما قاله العلماء وأهل اللغة كما في شرح مسلم للإمام النووي، فعلى هذا نقول ثبت استعمال التثنية لليد في اللغة وفي الشرع والمراد بها القدرة وبطل ما يقوله المجسمة، والله الموفق والهادي والحمد لله رب العالمين.