صحيح شرح العقيدة الطحاوية - حسن بن علي السقاف - الصفحة ٣١٢
وقال الآخر:
إذا ما غزى قوما أباح حريمهم * وأضحى على ما ملكوه قد استوى وروى إسماعيل بن أبي خالد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء.
قلت: وجميع السلف على إمرار هذه الآية كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل (163).
(١٦٣) ذكر الحافظ أبو حيان رحمه الله تعالى في تفسيره (النهر الماد) (١ / ٢٥٤) المطبوع في ثلاثة مجلدات مستقلة عند تفسير قوله تعالى: * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * أن ابن تيمية قال في رسالة له قرأها الحافظ أبو حيان وهي بخط ابن تيمية معاصره: (إن الله يجلس على العرش وقد أخلى مكانا يقعد فيه معه رسول الله ص) عياذا بالله تعالى!!
وهذا الكلام محذوف من الطبعة التي بهامش (البحر المحيط) لأن مصححه بدار السعادة حذفها لاستشناعها وطلب من الإمام المحدث الكوثري والإمام المحدث سيدي عبد الله بن الصديق الغماري أن يسجلا ذلك عليه عندما راجعاه وقد نبها على ذلك في بعض كتبهما. وكلام ابن تيمية هذا ثابت في كتاب تلميذه ابن القيم (بدائع الفوائد) (4 / 39) ونقله عن بعض السلف وهو مردود على قائله لو ثبت عنه، كما نقله عن الدارقطني في أبيات ذكرها هناك ولا تصح نسبتها للدارقطني لأن في سندها إليه كذابان مجسمان وهما ابن كادش والعشاري.
وأعود فأقول: لقد ثبت تأويل الاستواء عن السلف، ففي تفسير الحافظ ابن جرير السلفي (1 / 192) تأويل الاستواء بعلو الملك والسلطان وهو تأويل مقبول، وفي البخاري تأويل أبي العالية الاستواء بالارتفاع فإن كان يريد ارتفاع الربوبية على رتبة العبودية بعلو الملك والسلطان والقهر والعظمة كما يقول الحافظ ابن جرير السلفي فتأويل مقبول لا ترفضه قواعد الشريعة ولا لغة العرب، وأما إن كان مراده ارتفاع الذات المتخيلة فهو تأويل مردود، وما أظن أن أبا العالية أراد ذلك ولا قصده. ونحن نقول: معنى * (الرحمن على العرش استوى) * أي: الرحمن صاحب الملك والإرادة والقهر في هذا العالم من عرشه إلى فرشه، وذكر العرش هنا دون غيره لأنه أعظم المخلوقات وأكبرها فإذا كان مستو عليه بالقهر والربوبية اقتضى أنه مستو على كافة خلقه بهذا المعنى من باب أولى، فالاستواء عندنا هنا هو الاستيلاء والقهر أو تفويض معناه إلى الله وتنزيهه عن كل ما يخطر في الذهن وعن ما تزعمه المجسمة وهذا الذي تقتضيه لغة العرب مع نصوص الكتاب والسنة، أما لغة العرب: ففي (مفردات) الراغب في مادة (سوا) ص (251): (- الاستواء - متى عدي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء كقوله تعالى: * (الرحمن على العرش استوى) *)، وأما في الكتاب الكريم:
فقوله تعالى: * (وهو القاهر فوق عباده) * فبين أن فوقيته واستواءه بالقهر لا بالمكان، وأما السنة: فثبت في صحيح مسلم (4 / 61) وغيره: (اللهم أنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ) قال الحافظ البيهقي في (الأسماء والصفات) (400):
(استدل بعض أصحابنا بهذا الحديث على نفي المكان عن الله تعالى، فإذا لم يكن فوقه شئ ولا دونه - أي تحته - شئ لم يكن في مكان) ا ه وما بين الشرطتين من توضيحي، وكل هذه النصوص تنفي وتبطل لفظة (بذاته) التي يوردها بعض المجسمة في قولهم: (الله على عرشه مستو بذاته)!! وتثبت معنى الاستيلاء والقهر والعلو المعنوي كما قدمنا، وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6 / 136) أيضا:
(ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو، لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس) ا ه وقد ذكر الحافظ في الفتح (1 / 508) عند شرح حديث: (إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته...) الحديث قال ابن حجر:
(وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته).
فإن قال قائل:
(إن قولكم: معنى استوى قهر واستولى وملك يقتضي المغالبة، أي أنه لم يكن قاهرا للعرش ثم غلب على الأمر فقهر واستولى أليس كذلك؟!!).
قلنا: لا وإنما هذا خيال باطل بصريح العقل والنقل ونحن نبين لك الدليل على بطلانه حتى تتحقق من ذلك فنقول لك: ألم تعلم أن الله تعالى يخبرنا عن يوم القيامة فيقول لنا في كتابه العزيز: * (لمن الملك اليوم؟!) * فنقول لك: هل كان الملك قبل ذلك اليوم لغير الله تعالى؟!! الجواب: لا قطعا. وكذلك قوله تعالى * (والله غالب على أمره) * لا يقتضي المغالبة.
فإذن لم يلزم من قول الله تعالى * (لمن الملك اليوم) * أن الملك قبل ذلك اليوم كان لغيره سبحانه، وكذلك قولنا: استوى معناه: قهر واستولى، ولا يلزم منه أنه لم يكن مستوليا أو قاهرا قبل ذلك والله الموفق والهادي للصواب.
وانتبه هنا إلى أمر مهم جدا وهو: أنه من الخطأ قول بعض الناس: إن الله تعالى موجود في كل مكان.
فهذا خطأ أيضا!! لأن الله تعالى موجود بلا مكان، وهو خالق المكان.