لله تعالى اشتركت مع المخلوقات في اللفظ واختلفت في المعنى، فوجود المخلوق هو أخذه للحيز في الفراغ إن كان جسما وقيامه بالجسم إن كان عرضا وصفة، ووجود الله تعالى لا يجوز عليه الجسمية ولا الحد والمقدار ولا أخذ الحيز في الفراغ ولا الخضوع لقانون الزمان والمكان فعلينا أن نؤمن بذلك ولن نستطيع إدراكه.
ومن المعلوم المقرر عند أهل العلم أن الزمان والمكان مخلوقان لله تعالى لأنهما غير الله وكل ما سوى الله تعالى مخلوق حادث كان بعد أن لم يكن لقوله تعالى * (الله خالق كل شئ) *.
ونعني بقولنا أن الله تعالى منزه عن الزمان أن الله تعالى ليست له بداية في وجوده وليست له نهاية لأن الذي له بداية ونهاية هو الذي كان داخلا في قانون الزمان والمكان، والعقل البشري وغيره لا يستطيع أن يدرك شيئا لا بداية له، فما عليه إلا أن يصدق ويؤمن بصفات الله تعالى دون قياس ومعاكسة ومناقشة عقيمة، وهذا هو الإيمان بالغيب المذكور في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى * (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) * البقرة 3 - 5.
وقد أشار الشرع إلى قصور عقول الخلق عن إدراك المولى سبحانه وتعالى في عدة نصوص منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله، فمن وجد من ذلك شيئا فليقل:
آمنت بالله) رواه مسلم (1 / 119 برقم 212).
قلت: هذا حديث مهم جدا فيه بيان أن العقل البشري بل عقول سائر الخلق قد يخطر لها بعض القياسات من تشبيه الله تعالى بالخلق بأحد وجوه التشبيه وأن هذا الأمر يقع أحيانا في القلب، فعلى من وقع له ذلك أن ينزه الله تعالى، ويجب أن يكره ويدفع قلبه هذا الوارد والخاطر كما جاء في حديث آخر، ويسن