تختلف بها الحروف ليتسع بها طريق النطق بكثرتها. ثم خلق الحناجر مختلفة الأشكال في الضيق والسعة والخشونة والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطول والقصر، حتى اختلفت بسببها الأصوات، فلا يتشابه صوتان، بل يظهر بين كل صوتين فرقا حتى يميز السامع بعض الناس عن بعض بمجرد الصوت في الظلمة، ثم زين الرأس بالشعر والأصداغ، وزين الوجه باللحية والحاجبين، وزين الحاجب برقة الشعر واستقواس الشكل، وزين العينين بالأهداب.
ثم خلق الأعضاء الباطنة وسخر كل واحد لفعل مخصوص. فسخر المعدة لنضج الغذاء، والكبد لإحالة الغذاء إلى الدم، والطحال والمرارة والكلية لخدمة الكبد. فالطحال يخدمها بجذب السوداء عنها. والمرارة تخدمها بجذب الصفراء عنها. والكلية تخدمها بجذب المائية عنها. والمثانة تخدم الكلية بقبول الماء عنها، ثم تخرجه في طريق الإحليل: والعروق تخدم الكبد في إيصال الدم إلى سائر أطراف البدن. ثم خلق اليدين وطولهما لتمتد إلى المقاصد، وعرض الكف، وقسم الأصابع الخمس، وقسم كل إصبع بثلاث أنامل، ووضع الأربعة في جانب لتدور الإبهام على الجميع، ولو اجتمع الأولون والآخرون على أن يستنبطوا بدقيق الفكر وجها آخر في وضع الأصابع سوى ما وضعت عليه من بعد الإبهام عن الأربع وتفاوت الأربع في الطول وترتيبها في صف واحد لم يقدروا عليه، إذ بهذا الترتيب صلحت اليد للقبض والاعطاء، فإن بسطها كانت له طبقا يضع عليها ما يريد وإن جمعها كانت له آلة للضرب، وإن ضمها ضما غير تام كانت مغرفة له، وإن بسطها وضم أصابعها كانت مجرفة له. ثم خلق الأظفار على رؤوسها زينة للأنامل وعمادا لها من ورائها حتى لا تنقطع، وليلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا تتناولها الأنامل، وليحك بها بدنه عند الحاجة، فالظفر الذي هو أخس الأعضاء لو عدمه الإنسان وظهر به حكة لكان أعجز الخلق وأضعفهم، ولم يقم أحد مقامه في حك بدنه. ثم هدى اليد إلى الحك حتى تمتد إليه ولو في النوم والغفلة من غير حاجة إلى طلب، ولو استعان بغيره لم يعثر على موضع الحك إلا بعد تعب طويل. ثم خلق هذا كله من النطفة وهي في داخل الرحم في ظلمات ثلاث، ولو كشف