وأما المجادلة فعبارة عن: قصد إفحام الغير تعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه ونسبته إلى القصور والجهل فيه، وآية ذلك أن يكون تنبيهه للحق من جهة أخرى مكروها عند المجادل، فيحب أن يكون هو المظهر له خطأه ليبين به فضل نفسه ونقص صاحبه، ولا نجاة من هذا إلا بالسكوت عن كل ما لا يأثم به لو سكت عنه.
وأما الباعث على هذا فهو الترفع بإظهار العلم والفضل، والتهجم على الغير بإظهار نقصه. وهما شهوتان باطنتان للنفس قويتان لها: إما إظهار الفضل: فهو من قبيل تزكية النفس، وهي من مقتضى ما في العبد من طغيان دعوى العلو والكبرياء وهي من صفات الربوبية. وإما تنقيص الآخر فهو من مقتضى طبع السبعية فإنه يقتضي أن يمزق غيره ويقصمه ويصدمه ويؤذيه، وهاتان صفتان مذمومتان مهلكتان، وإنما قوتهما المراء والجدال، فالمواظب على المراء والجدال مقو لهذه الصفات المهلكة.
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون) قالوا: يا رسول الله: قد علمنا الثرثارين والمتشدقين فما المتفيقهون؟! قال: (المتكبرون). رواه الترمذي (4 / 370 برقم 2018)