نعم إنه قدس سره اتجه في حياته إلى كل مناحي المعارف، وكرس أيامه لنيل كل مكرمة، فكان في الفلسفة الحكيم العارف، وفي الأخلاق خزانة الأسرار الفائز بأسمى رتب الشهود، وفي الفقه والأصول الإمام الحجة نسيج وحده وعلامة دهره، وفي الأدبين الفارسي والعربي الفنان الماهر.
منزلته العلمية كان قدس الله تعالى نفسه الزكية من زمرة النوابغ القلائل الذين يضن بهم الزمان إلا في فترات متباعدة ومن تلك الشخصيات اللامعة في تاريخ علمي الفقه والأصول. وإذا صح أن يقال في أحد إنه جاء بما لم يجئ به الأوائل فهو هذه العمود لفجر الإسلام الصادق الذي انطفأ قبل شروق شمس نهاره لتراه كل عين. ما سلك طريقا في بحث مسألة إلا وتطاير فضول ما علق بها من الأوهام هباء، وما حبرت يراعته بحثا إلا وحيرت العقول كيف تذهب آراء الباحثين جفاء.
لو قدر لهذا النابغة ولله في خلقه شؤون أن تثنى له الوسادة ليتربع على كرسي الرئاسة العامة وكانت منه قريبة، لقلب أسلوب البحث في الفقه والأصول رأسا على عقب، ولتغير مجرى تاريخهما بما يعجز عن تصويره البيان، ولعلم الناس أن في الثريا منالا تقربه النوابغ إليهم من حيث يحسون ويلمسون. ولذا كانت فاجعة العلم بموته فاجعة قطعت على البحث طريقه اللاحب إلى ساحة الحقائق الواسعة، وأخرت على شوطا بعيدا من السير كان يقطعه في زمن قريب لو قدر له طول عمره أكثر وإني أتفاءل للجيل العلمي الآتي أن يبل هذا الشوط حينا يقدر لكنوز مؤلفات شيخنا المترجم له أن تدرس وتحقق من جديد، ليعلم الناس أن في هذه الكنوز الثمنية من الآراء الناضجة ما يعطي للعلم صبغته الجديدة التي يستحقها، ومن التحقيقات النفيسة ما ينسخ أكثر ما نسج عليه نسج عليه السابقون.
وعسى آن يخال القارئ أن كلمتي هذه جرت على عادة الكتاب في مبالغاتهم عمن يترجمون لهم، ولكني أسجل كلمتي هذه على نفسي للجيل الآتي، ليشهد هو على صدق مقالتي، وهو الذي سيفهم ما أقوله، وما يدريني لعل الجيل الآتي سيراني