الأصول شرع بها في شوال سنة 1344 ه وأنهاها سنة 1359 ه. وهي أطول دورة له حقق فيها كثيرا من المباحث الغامضة، وكتب فيها جملة من التعليقات النافعة على حاشيته لا سيما على الجزء الأول المطبوع. ولا يستغنى بهذا المطبوع عن هذه التعليقات. كما كتب خلالها جملة من الرسائل الصغيرة في عدة مسائل منها (رسالة أخذ الأجرة على الواجبات) التي لم يكتب مثلها في هذا الموضوع استيفاء وتحقيقا.
وقد توفقت بحمد الله تعالى للحضور عليه في هذه الدورة ابتداء من سنة 1345 ه.
وبعد هذه الدورة شرع في دورة جديدة على أسلوب جديد اعتزم فيها تهذيب الأصول واختصاره وتنظيم أبوابه تنظيما فنيا لم يسبق إليه، فوضع في المبادئ ما كان يظن أنه من المسائل ووضع في المسائل ما كان يحرر في المبادئ كمسألة المشتق.
وقسم الأصول إلى أربعة مباحث على غير المألوف فأماط اللثام عما كان يقع من الخلط بين المباحث. والمباحث الأربعة التي وضعها لأبواب الأصول هي: المباحث اللفظية، ومباحث الملازمات العقلية، ومباحث الحجة ومباحث الأصول العملية.
وقد شرع رحمه الله في تأليف كتاب مختصر مهذب على هذا الأسلوب في علم الأصول، فاستبشر أهل العلم بهذا العمل الجليل الذي كان منتظرا من مثله وكان أمنية الجميع لولا أن المرض لم يمهله أن يتم تأليفه هذا بعد سنة من شروعه حتى فاجأته المنية (فجر الخامس من شهر ذي الحجة عام 1361 ه) مأسوفا على تلك الشعلة الإلهية الوهاجة أن تنطفي في وقت الحاجة إليها، فأحبط ذلك المشروع الخطير الذي كان ينويه في تأليفه الجديد الذي لو قدر له أن يتم لوفر على طلاب العلم كثيرا من وقتهم ولفتح لهم أبوابا ملذة جديدة من البحث العالي والتفكير المستقيم.
وهذه إحدى أفكاره الإصلاحية التي كانت تجول في خاطره وكان يحرق الأرم لأجلها حينما يجد أن الوقت لم يحن لتنفيذها أو لابرازها على الأقل، وكثيرا ما كان يوحي إلينا في خلواته بخواطره في سبيل اصلاح الحركة العلمية والوضع الديني السائد. ولم يكن الزمن يواتيه يومئذ أن ينهض بواحدة منها، حتى خسره العلم والدين عمادا لقبة الإسلام وعميدا لخزان الشريعة، وخازنا للفيض القدسي، وترجمانا للكلام النفسي وإماما للمسلمين، وهاديا للحق، ومصباحا للمهتدين إلى عين اليقين.