وأما الأصول المخالفة لدعوى الجهل فأصالة عدم الخيار قبل العقد وقد انقلب العدم إلى نقيضه بالعقد قطعا فلا مجال لاستصحاب عدمه.
ومنه تعرف حال استصحاب اللزوم - بمعنى وجوب الوفاء - فإنه أشنع لسبقه بالعدم قبل العقد أيضا، وكذا استصحاب عدم تأثير الفسخ فإنه لا شبهة في تأثيره بمجرد وجود العقد المحكوم بالخيارية، فلا مجال إلا لاستصحاب الملك إلى ما بعد مضي الفورية وانشاء الفسخ، فإن الملك يجامع وجود الخيار وعدمه، إلا أن بقاء وجوده إلى حال انشاء الفسخ يساوق اللزوم، وعليه فمدعي الجهل قوله مخالف لهذا الأصل فلا يقبل قوله بيمينه من حيث كونه منكرا.
وقد عرفت أنه ليس هناك أصل حاكم على هذا الأصل ليكون هو المتبع للموافقة والمخالفة، وكذا الأمر لو كان ميزان المدعي والمنكر كونه إذا ترك ترك، فإن مدعي الجهل مدع حقيقة، فإنه إذا ترك ترك.
ثانيهما: قبول قوله مع كونه مدعيا وظيفته البينة أنه ممن يتعسر أو يتعذر عليه إقامة البينة، وكل من كان كذلك قبل قوله بيمينه أو مطلقا، وقد تقدم الكلام فيه مستوفي في مسألة الجهل بالموضوع فراجع (1)، إلا أن الظاهر من المصنف (قدس سره) بشهادة الاستثناء الموجب لانقلاب الانكار إلى الدعوى إرادة الوجه الأول، كما أن الظاهر من قوله (رحمه الله) (وفيه نظر) الاشكال في الاستثناء كما صرح به فيما بعد، ولم يشكل في الأصل قبلا.
- قوله (قدس سره): (فإن أراد بالتقييد تخصيص... الخ) (2).
المراد من الشق الأول من التخصيص كون مخالفة قوله للظاهر من حاله بمنزلة الشاهد على كذبه عادة فلا يسمع دعواه، بخلاف من لم يكن كذلك، والمراد من الشق الثاني منه لزوم كون ظاهر حاله الجهل بالحكم، حتى يكون قوله موافقا للظاهر ليسمع قوله بيمينه، مع أنه لا حاجة إليه حيث إن قوله موافق للأصل وكفى به لكونه منكرا، وهذا الوجه مغاير للاستثناء المتقدم، فإن الاستثناء بملاحظة أن قوله إذا كان مخالفا للظاهر المقدم على الأصل فلا يجديه الموافقة للأصل، بل لا بد من موافقته