هذا لك، واخفف عنا وتجاوز في القسم.
فلذعه منطق الخيانة واندفع وهو ثائر مغيظ يقول لهم.
يا معشر اليهود إنكم لمن أبغض خلق الله تعالى إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، وأما ما عرضتم علي من الرشوة فإنها السحت وإنا لا نأكلها.
ودلت هذه البادرة على مدى اهتمام الإسلام بالعدل، فإن اليهود الذين هم خصوم الإسلام وأعداؤه لا يجور عليهم عبد الله بن رواحة ولا غرابة في ذلك لأنه خريج مدرسة النبي (ص) - ولا يحيف بهم لأن الإسلام لا يسمح له بذلك ولا يسمح بأخذ الرشوة منهم، ولما سمع اليهود مقالته انبروا يظهرون الاعجاب قائلين:
(بهذا قامت السماوات والأرض) (1) لقد نصب رسول الله (ص) الولاة من المؤمنين من أصحابه الذين هذبهم الإسلام وانطبعت مثله في قلوبهم ومشاعرهم، وتجردوا عن لهو الدنيا وزخارفها ولم يركنوا في دور حكمهم وولايتهم إلى أي طريق ملتو، وأعلنوا إلى الجماهير عدم حاجتهم إلى أحد من الناس فهذا عتاب بن أسيد استعمله النبي (ص) واليا على مكة ومنحه من الرزق في كل يوم درهما فقام خطيبا يعلن ترفعه عما في أيدي الناس قائلا:
" أجاع الله كبد من جاع على درهم، فقد رزقني رسول الله درهما كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد "