وسيجئ زيادة توضيح لذلك. فإذا كان هذا بناؤهم في العقود المعاوضية وما يشبهها، فكل عقد كان اللزوم من مقتضيات ذاته يصير هذا الالتزام مؤكدا له - كالنكاح والضمان - وكل عقد كان الجواز من مقتضياته - كالهبة - يخرج عن عموم أوفوا بالعقود بالتخصيص، وكل عقد لا اقتضاء له يصير بهذه الدلالة ذا اقتضاء، كالبيع. وقوله عز اسمه * (أوفوا بالعقود) * (1) ناظر إلى هذه الدلالة لا الدلالة المطابقية، لأن وجوب الوفاء في البيع بلحاظ معناه المطابقي إنما هو لحرمة التصرف في مال الغير، لا لأنه عقد وعهد موثق.
وبعبارة أخرى في المعاوضات العقدية مدلولان: المطابقي وهو بيع، والالتزامي وهو عقد. ووجوب الوفاء يناسب لحاظ العقدية كما هو صريح الآية.
فإذا كان اقتضاؤه اللزوم - من جهة إنشاء العاقد المدلول الالتزامي والتزامه به - فلو ثبت الخيار في عقد بأحد الوجوه الثلاثة الآتية يوجب تخصيص الآية الشريفة، ويكون حقا مالكيا قابلا للإسقاط، كما أنه يقبل الإقالة للتلازم بينهما إذا كان حقيا. وكان بمعناه المصطلح لا بمعناه اللغوي الشامل للحكمي أيضا، ولا شبهة أن الخيار في المقام إنما هو بمعناه المصطلح، لأنه لو ثبت الخيار في العقد لأحد إما بالشرط كبيع الشرط، أو بجعل شرعي كخيار الحيوان والمجلس، أو لتخلف شرط ضمني كالغبن والعيب ونحوهما. فمعنى ثبوته أن التعهد بمدلول العقد الذي تعهد به العاقد على نفسه - وقلنا: إنه من باب بناء العرف والعادة على أن كل من عقد عقدا يلزم أن يكون على عقده ويبقى على عهده - زمام أمره بيد العاقد، أي لثبوت الخيار، ليس هذا الالتزام ملكا للطرف وليس كنفس المدلول المطابقي الذي هو ملك للطرف ولو مع الخيار. فإذا كان مالكا لالتزام نفسه فله إقراره وإبرامه وله حله ونقضه.
وبعبارة أخرى ثبوت الخيار لأحد معناه أن اختيار المدلول الالتزامي المنشأ