وبالجملة: الإبراء ليس كالهبة والمصالحة، ولذا وقع الخلاف في مسألة إبراء الزوجة الزوج الصداق، في أنه لو طلقها بعد ذلك قبل الدخول فهل له المطالبة منها بنصف المهر أوليس له؟ ولم يقع الخلاف في جواز المطالبة لو وهبته أو صالحته كذلك، ولا وجه لهذا الفرق إلا من جهة أن الصلح أو الهبة تمليك للزوج ما في ذمته وإن كان أثره الإبراء، لعدم معقولية تملك الإنسان ما في ذمة نفسه، وأما الإبراء فهو إعدام الموضوع، فحكم المبرأ عنه حكم أحد الشخصين في الواجب الكفائي إذا تعذر عليه التكليف، فإن سقوط التكليف عن أحدهم لا يوجب سقوطه عن الآخر.
ولكن الحق: أن الإبراء أيضا كاستيفاء الحق في المقام، لأن البرهان الجاري في السابق على المبرأ عنه يجري في اللاحق أيضا، فإنه كما لا يمكن مع فراغ ذمة الوسط اشتغال ذمة السابق عليه فكذلك لا يمكن مع فراغ ذمته اشتغال ذمة اللاحق، لأن اللاحق على ما قدمناه ليس في عرض السابق عليه ضامنا للمالك، بل هو ضامن للمالك ما في ذمة سابقه، أي: ذمته مخرج لذمة السابق، فيستحيل مع فراغ ذمة الوسط اشتغال ذمة اللاحق.
وبعبارة أخرى: إذا فرضنا أن اللاحق يضمن ما يضمنه السابق لا غيره فكيف يبرأ ذمة السابق ولا يبرأ اللاحق عليه؟ فالحق أن الإبراء من واحد يوجب فراغ ذمة الجميع.
الثاني: لو وهب المالك ما في ذمة أحدهم أجنبيا أو صالحه بعوض أو مجانا فحكم هذا الأجنبي حكم المالك في جواز رجوعه إلى أي واحد من الأيدي، وأما لو وهب أو صالح واحدا من السلسلة فلا إشكال في أن المالك يسقط حقه من الجميع، لأنه مقتضى وحدة الحق، إنما الإشكال في أن المتهب أو المتصالح من هذه السلسلة هل هو كالأجنبي في جواز رجوعه إلى من شاء منهم، أو كما يبرأ ذمته، لأن هذا أثر الهبة والصلح يبرأ ذمة الجميع، أو يبرأ ذمة السابق دون اللاحق؟
وجوه، أقواها الأخير.
أما براءة ذمة الجميع فلا وجه له، فإن المالك الأصلي وإن سقط حقه من