أصبح تصفح وجوه الأغنياء والأشراف حتى يجيئ إلى المساكين فيقعد معهم ويقول مسكين مع مساكين ". وروي: " أنه ورد على أمير المؤمنين (ع) أخوان له مؤمنان، أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين أيديها. ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل، وجاء ليصب على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين وأخذ الإبريق ليصب على يد الرجل، فتمرغ الرجل في التراب، وقال: وقال: يا أمير المؤمنين! الله يراني وأنت تصب على يدي! قال:
اقعد واغسل، فإن الله - عز وجل - يراك وأخوك الذي لا يتميز منك ولا ينفصل عنك يخدمك. يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا. فقعد الرجل. وقال له علي عليه السلام: أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلما فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية، وقال: يا بني! لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكن الله عز وجل يأبى أن يسوي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صب الأب على الأب فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن " (90).
وقال الصادق عليه السلام: " التواضع أصل كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة، ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب. والتواضع ما يكون لله وفي الله، وما سواه فكبر. ومن تواضع لله شرفه الله على كثير من عباده. ولأهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماوات من الملائكة وأهل الأرض من العارفين. قال الله عز وجل:
" وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم " (91).
وأصل التواضع من إجلال الله وهيبته وعظمته. وليس لله عز وجل عبادة يقبلها ويرضاها إلا وبابها التواضع. ولا يعرف ما في معنى حقيقة