وما ورد من المدح عليهما في الأخبار - كما يأتي - ويواظب على مباشرته ولو بالتكلف، فيتحلم وإن كان في الباطن غضبانا، وإذا فعل ذلك مدة صار عادة مألوفة هنيئة على النفس، فتنقطع عنها أصول الغضب.
(الخامس) أن يقدم الفكر والروية على كل فعل أو قول يصدر عنه، ويحافظ نفسه من صدور غضب عنه.
(السادس) أن يحترز عن مصاحبة أرباب الغضب، والذين يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب، ويسمون ذلك شجاعة ورجولية، فيقولون:
نحن لا نصبر على كذا وكذا، ولا نحتمل من أحد أمرا. ويختار مجالسة أهل الحلم، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس.
(السابع) أن يعلم إن ما يقع أنما هو بقضاء الله وقدره، وإن الأشياء كلها مسخرة في قبضة قدرته، وإن كل ما في الوجود من الله، وإن الأمر كله لله، وإن الله لا يقدر له ما فيه الخيرة، وربما كان صلاحه في جوعه أو مرضه، أو فقره، أو جرحه أو قتله، أو غير ذلك. فإذا علم بذلك غلب عليه التوحيد، ولا يغضب على أحد، ولا يغتاظ عما يرد عليه، إذ يرى - حينئذ - أن كل شئ في قبضة قدرته أسير، كالقلم في يد الكاتب.
فكما أن من وقع عليه ملك بضرب عنقه لا يغضب على القلم، فكذلك من عرف الله وعلم أن هذا النظام الجملي صادر منه على وفق الحكمة والمصلحة ولو تغيرت ذرة منه عما هي عليه خرجت عن الأصلحية، لا يغضب على أحد، إلا أن غلبة التوحيد على هذا الوجه كالكبريت الأحمر وتوفيق الوصول إليه من الله الأكبر. ولو حصل لبعض المتجردين عن جلباب البدن يكون كالبرق الخاطف، ويرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعا طبيعيا، ولو تصور دوام ذلك لأحد لتصور لفرق الأنبياء، مع أن التفاتهم في الجملة إلى الوسائط مما لا يمكن إنكاره.
(الثامن) أن يتذكر إن الغضب مرض قلب ونقصان عقل، صادر عن ضعف النفس ونقصانها، لا عن شجاعتها وقوتها، ولذا يكون المجنون أسرع غضبا من العاقل، والمريض أسرع غضبا من الصحيح. والشيخ الهرم أسرع غضبا من الشاب، والمرأة أسرع غضبا من الرجل، وصاحب الأخلاق