السيئة والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل. فالرذيل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة، والبخيل يغتاظ لبخله إذا فقد الحبة، حتى يغضب لفقد أدنى شئ على أعز أهله وولده. والنفس القوية المتصفة بالفضيلة أجل شأنا من أن تتغير وتضطرب لمثل هذه الأمور، بل هي كالطود الشاهق لا تحركه العواصف، ولذا قال سيد الرسل (ص): " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ". وإن شككت في ذلك فافتح عينيك وانظر إلى طبقات الناس الموجودين، ثم ارجع إلى كتب السير والتواريخ، واستمع إلى حكايات الماضين، حتى تعلم: أن الحلم والعفو وكظم الغيظ شيمة الأنبياء والحكماء وأكابر الملوك والعقلاء، والغضب خصلة الجهلة والأغبياء.
(التاسع) أن يتذكر أن قدرة الله عليه أقوى وأشد من قدرته على هذا الضعيف الذي يغضب عليه، وهو أضعف في جنب قوته القاهرة بمراتب غير متناهية من هذا الضعيف في جنب قوته، فليحذر، ولم يأمن إذا أمضى غضبه عليه أن يمضي الله عليه غضبه في الدنيا والآخرة، وقد روي: " أنه ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم، إذا غضب أعطاه صحيفة فيها:
(إرحم المساكين، واخش الموت، واذكر الآخرة)، فكان يقرأها حتى يسكن غضبه ". وفي بعض الكتب الإلهية: " يا ابن آدم! اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق " (12).
(العاشر) أن يتذكر أن من يمضي عليه غضبه ربما قوي وتشمر لمقابلته، وجرد عليه لسانه بإظهار معائبه والشماتة بمصائبه، ويؤذيه في نفسه وأهله وماله وعرضه.
(الحادي عشر) أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الغيظ والغضب فإن كان الخوف الذلة والمهانة والاتصاف بالعجز وصغر النفس عند الناس، فليتنبه أن الحلم وكظم الغيظ ودفع الغضب عن النفس ليست ذلة ومهانة، ولم يصدر من ضعف النفس وصغرها، بل هو من آثار قوة النفس وشجاعتها.