بالسمع العقلي الملكوتي دون السمع الظاهر الحسي الناسوتي، وهذا النطق الذي لكل ذرة من الأرض والسماوات مع أرباب القلوب إنما هو (مناجاة السر)، وذلك مما لا ينحصر ولا يتناهى، فإنها كلمات تستمد (31) من بحر كلام الله الذي لا نهاية له:
" قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا " (32).
ثم إنها لما كانت مناجية بأسرار الملك والملكوت، وليس كل أحد موضعا للسر، بل صدور الأحرار قبور الأسرار، فاختصت مناجاتها بالأحرار من أرباب القلوب. وهم أيضا لا يحكون هذه الأسرار لغيرهم، إذ إفشاء السر لؤم، وهل رأيت قط أمينا على أسرار الملك قد نوجي بخفاياه فينادي بها على الملأ من الخلق، ولو جاز إفشاء كل سر لما نهى النبي (ص) عن إفشاء سر القدر، ولما خص أمير المؤمنين عليه السلام ببعض الأسرار، ولما قال صلى الله عليه وآله وسلم: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا "، بل كان يذكر لهم ذلك حتى يبكون ولا يضحكون.
فأذن عن حكايات مناجاة ذرات الملك والملكوت لقلوب أرباب المشاهدة مانعان: (أحدهما) المنع عن إفشاء السر، (وثانيهما) خروج كلماتها عن الحصر والنهاية. ونحن نحكي في فعل الكتابة قدرا يسيرا من مناجاة بعض ما يرى أسبابا ووسائط، وإقرارها بالعجز على أنفسها، ليقاس عليه جميع الأفعال الصادرة عن جميع الأسباب والوسائط المسخرة تحت قدرة الله، ويفهم به على الإجمال كيفية ابتناء التوكل عليه، ونرد لضرورة التفهم كلماتها الملكوتية إلى الحروف والأصوات، وإن لم تكن أصواتا وحروفا، فنقول:
قال بعض الناظرين عن مشكاة نور الله للكاغد، وقد رأى وجهه اسود بالحبر: " لم سودت وجهك وقد كان أبيض مشرفا؟ ".
فقال: " ما سودت وجهي، وإنما سوده الحبر، فاسأله لم فعل كذا؟ " فسأل الحبر عن ذلك، فقال: " هذا السؤال على القلم الذي