النجدة، فقال له الزبير: يا أبا الجرباء! إننا لنعرف من الحرب ما لم يعرفه كثير من الناس غير أن القوم أهل دعوتنا، ونحن وهم مسلمون، وهذا أمر حدث في أمتنا لم يكن قبل اليوم، ولا كان فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قول، وبعد ذلك فهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه من لم يلق الله فيه بعذر انقطع عذره يوم القيامة، ونحن مع ذلك نرجو الصلح إن أجابوا إليه، وإلا فآخر الداء الكي.
قال: وأقبل الأحنف بن قيس في جماعة من قومه إلى علي رضي الله عنه فقال (1): يا أمير المؤمنين! إن أهل البصرة يقولون بأنك إن ظفرت بهم غدا قتلت رجالهم وسبيت ذريتهم ونساءهم، فقال له علي: ليس مثلي من يخاف هذا منه، لان هذا ما لا يحل إلا ممن تولى وكفر، وأهل البصرة قوم مسلمون، وسترى كيف يكون أمري وأمرهم! ولكن هل أنت معي فأعلم! فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين!
اختر مني واحدة من [اثنتين] (2) إما أن أكون معك مع مائتي رجل من قومي، وإما أن أرد عنك أربعة آلاف سيف، فقال علي رضي الله عنه: لا بل ردهم عني، فقال الأحنف: أفعل ذلك يا أمير المؤمنين! ثم انصرف.
قال: وخرج الزبير وطلحة فنزلوا موضعا يقال له زابوقة (3)، وهم ثلاثون ألف مقاتل، وبلغ ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إني قد منيت بثلاث مرجعهن على العباد من كتاب الله: أحدها البغي ثم النكث والمكر، قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) (4)، ثم قال: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (5)، ثم قال: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) (6)، ووالله لقد منيت بأربع لم يمن بمثلهن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، منيت بأشجع الناس الزبير بن العوام، وبأخدع الناس طلحة بن عبيد الله، وبأطوع الناس في الناس عائشة بنت أبي بكر، وبمن أعان علي