سالما أمرهم، كأن نبيهم بين أظهرهم، فلما أيس الرجل من نفسه بايع رجلا من بعده أحد المهاجرين، فلما احتضر ذلك الرجل شك في واحد أن يختاره، فجعلها في ستة نفر بقية المهاجرين، فأخذوا رجلا منهم لا يألون عن الخير فيه، فبايعوه وهم ينظرون إلى الذي هو كائن من بعده، لا يشكون ولا يمترون، مهلا مهلا معشر المهاجرين، فإن وراءكم من إن دفعتموه اليوم اندفع عنكم، ومن إن فعلتم الذي أنتم فاعلوه دفعكم بأشد من ركنكم وأعد من جمعكم، ثم استن عليكم بسنتكم، ورأى أن دم الباقي ليس بممتنع بعد دم الماضي، فسددوا وارفقوا، لا يغلبكم على أمركم من حذرتكم، فقال علي بن أبي طالب: كأنك تريد نفسك يا بن اللخناء لست هنالك، فقال معاوية: مهلا عن شتم بنت عمك، فإنها ليست بشر نسائك. يا معشر المهاجرين، وولاة هذا الأمر، ولاكم الله إياه فأنتم أهله، وهذان البلدان مكة والمدينة مأوى الحق ومنتهاه، إنما ينظر التابعون إلى السابقين، والبلدان إلى البلدين فإن استقاموا استقاموا، وأيم الله الذي لا إله إلا هو لئن صفقت إحدى اليدين على الأخرى لا يقوم السابقون للتابعين، ولا البلدان للبلدين، وليسلبن أمركم ولينقلن الملك من بين أظهركم، وما أنتم في الناس إلا كالشامة السوداء في الثور الأبيض فإني رأيتكم نشبتم في الطعن على خليفتكم، وبطرتم معيشتكم وسفهتم أحلامكم، وما كل نصيحة مقبولة، والصبر على بعض المكروه خير من تحمله كله.
قال: ثم خرج القوم وأمسك عثمان ابن عباس، فقال له عثمان: يا بن عمي ويا بن خالتي، فإنه لم يبلغني عنك في أمري شئ أحبه ولا أكرهه علي ولا لي، وقد علمت أنك رأيت بعض ما رأى الناس، فمنعك عقلك وحلمك من أن تظهر ما أظهروا، وقد أحببت أن تعلمني رأيك فيما بيني وبينك فأعتذر، قال ابن عباس: فقلت يا أمير المؤمنين، إنك قد ابتليتني بعد العافية، وأدخلتني في الضيق بعد السعة، ووالله إن رأيي لك أن يجل سنك، ويعرف قدرك، وسابقتك، والله لوددت أنك لم تفعل ما فعلت مما ترك الخليفتان قبلك، فإن كان شيئا تركاه لما رأيا أنه ليس لهما علمت أنه ليس لك كما لم يكن لهما، وإن كان ذلك لهما فتركاه خيفة أن ينال منهما مثل الذي نيل منك تركته لما تركاه له، ولم يكونا أحق بإكرام أنفسهما منك بإكرام نفسك، قال: فما منعك أن تشير علي بهذا قبل أن أفعل ما فعلت؟ قال: وما علمي أنك تفعل ذلك قبل أن تفعل؟